خليل صويلح
هل العلمانية «بضاعة» مستوردة من الغرب؟ وما علاقتها بالديموقراطية والعقلانية والمواطنة؟ وهل هي الحل الناجع للطائفية، أم هي مفهوم مضاد للإسلام؟ هذه الأسئلة كانت محور ندوة أقامها منذ فترة «المعهد الدنماركي» في دمشق، بمشاركة باحثين عرب وأوروبيين، وصدرت في كتاب بعنوان «العلمانية في المشرق العربي» (دار بترا / دار أطلس)، إعداد وتحرير لؤي حسين.
في «العلمانية كإشكالية إسلامية ــــ إسلامية»، يتساءل جورج طرابيشي: «كيف السبيل إلى مناخ عقلاني وديموقراطي بين الطوائف الإسلامية في ظل التغييب المتعمد للعلمانية؟». وإذا عالجنا هذا الإشكال من طريق الديموقراطية وحدها، فسيكون صندوق الاقتراع فرصة لصعود الصوت الطائفي. إذ «لن يصوّت الناخبون إلا لممثليهم الطائفيين». وينبه طرابيشي إلى إشكال نظري خطير آخر تثيره الديموقراطية المفصولة عن توأمها «العلمانية» يتعلق بفلسفة الديموقراطية نفسها. فهي ترى الشعب مصدر التشريع، والحال أنّ الإسلام لا يعترف بمصدر آخر للتشريع سوى القرآن والسنّة، إضافة إلى مسائل شائكة أخرى مثل المساواة بين الجنسين والزواج المدني. ويوضح أن «العلمانية لن يُكتب لها النجاح في العالم العربي والإسلامي عموماً، ما لم تقترن بثورة في العقليات». ويجد عاطف عطية في بحثه «العلمانية بين سلطة الدولة وسلطة الدين» ضرورة التحالف بين السلطتين كمرحلة أولى، وصولاً إلى موقع الاستقلال لكل من السلطتين. وهذا الانتقال الهادئ والمتأني في التحالف بين السلطتين سيمنح الدولة استقلاليتها في إدارة الشؤون الدنيوية، فيما تهتم السلطة الدينية بالشؤون الأخلاقية والروحية. وينفي عطية المفهوم القائل بأن الإسلام «دين ودنيا»، فهو في نهاية المطاف ليس دولة».
في «جولة أفق في العلمانية وشأن الحضارة»، يستنكر عزيز العظمة مفاهيم مثل الأصالة والهوية والتمايز التي تركن إليها بعض التيارات الظلامية لإقصاء المجتمع العربي عن التشريعات الحديثة، ونفي المنجز الحداثي الذي حققه العرب خلال القرن العشرين، بذريعة أن العلمانية مجافية لطبائعنا التاريخية وينبغي استعادة «الحضارة الإسلامية التليدة»... والخروج من مسار التاريخ البشري إلى مسار آخر ارتدادي يحوّلنا إلى «محمية حضارية مشابهة للمحميات الطبيعية للدببة والدلافين والهنود الحمر». وطالب العظمة باعتماد العلمنة في المدارس والجامعات، بدلاً من حلقات المساجد والأديرة.
ويستعرض جان داية تاريخ العلمانية في بلاد الشام وأبرز أعلام عصر النهضة أمثال بطرس البستاني وخليل سركيس وأديب إسحق ولويس صابونجي. ويتوقف عند إسهامات عبد الرحمن الكواكبي. فقد كان المفكر الحلبي من أوائل المسلمين العلمانيين الذين طالبوا بفصل الدين عن الدولة بأسماء مستعارة خشية غضب السلطان العثماني. لكنه بعد مغادرته حلب إلى القاهرة، جاهر بأفكاره علناً ونشر مقالاته في صحيفة «المقطم» (1899).
ويشتمل الكتاب على ملحق يضم أبرز النقاشات التي دارت خلال الندوة، وشهادات وتعليقات أسهم بها الشيخ جودت سعيد والشيخ محمد حبش والمطران يوحنا إبراهيم ومحمد كامل الخطيب ويرغن نلسون.