في ظل الشهرة الواسعة التي عرفها غلن غولد كمؤدّ لأعمال غيره، تختبئ موهبة أخرى كان يتمتع بها العازف الكندي، هي مهنة التأليف. مع أنه مارسها عرضياً، بسبب تفرّغه للاهتمام الأول الذي يتطلّب الكثير من الوقت والجهد... ألا وهو التمرين على ريبيرتوار الموسيقى الكلاسيكية وحفظها.لم يكن غزيراً في التأليف، لكنّه كان مؤلفاً ذكياً يعرف تماماً ماذا يريد من العمل الذي يكتبه ويمكنه أن يشرح لماذا كتبه وكيف. ولم يسجّل غلن غولد أعماله القليلة بنفسه، كما لم يوكل تلك المهمّة إلى أحد... وخصوصاً أنّ بعضها ليس لآلة البيانو أو لا يدخل البيانو في تركيبتها أصلاً. فما هي هذه الأعمال وما هو مصيرها اليوم؟
في الذكرى العاشرة لرحيله، قامت مجموعة موسيقيين بتسجيل مؤلفات غولد، بإشراف الباحث وعازف الفيولون الفرنسي برونو مونسانجون الذي كان من أقرب المقرّبين إليه. هذا التسجيل هو عبارة عن أسطوانة يتيمة، عنوانها «غلن غولد المؤلف»، تحتوي على رباعي وتريات من حركة واحدة مدتها 35 دقيقة، وعمل من أربع حركات لرباعي الأصوات البشرية بطبقاتها الأربع مع مرافقة للبيانو، ومقطوعتين قصيرتين للبيانو المنفرد، وسوناتة من ثلاث حركات للبيانو والباصون وأخرى للبيانو المنفرد من حركتين.
ولعلّ أهمّ تلك المؤلفات، مقطوعة على شكل تحية إلى باخ. اتّبع غولد في بنائها قاعدةً معقدةً وضعها المؤلف الألماني وتعرف بالـ Fugue. ولا تنتهي التحية عند هذا الحد، إذ عنون غولد هذا العمل «إذاً ـــ تريد أن تكتب Fugue؟». ويتطلب لتأديته أربعة مغنّين، ورباعي وتريات يرافق غناء نص يلخّص بجملة واحدة، تدلّ على مضمونه والهدف منه: إذا أردت أن تكتب Fugue، لا تفكّر بالنظريات التي درستها ولا تكترث لكل ما يقال لك. يكفي أن تنسى كل شيء وتكتب الفوغ وتقول: باخ كان رجلاً عظيماً.