فاطمة داوود
استقبل «كاروسيل اللوفر» أخيراً مصمّمين لبنانيين، يقفان على طرفيّ نقيض: خالد المصري أبحر في تاريخ الإغريق، فيما سافر جورج شقرا إلى المستقبل... جولة على استعراضين لفتا الأنظار في
مجتمع الموضة الباريسي




خالد المصري: كوني مثيرة ولا تصمتي!

فاجأ المصمم اللبناني خالد المصري عشّاق الموضة في باريس، بعرضه الأخير لمجموعة الـ«هوت كوتور» لخريف وشتاء 2008 في قاعة «دولورم» في الـ«كاروسيل اللوفر». هناك، قدّم تشكيلة في غاية التفرّد، استقى معظم خطوطها من إلهة الجمال اليونانية. المجموعة التي حملت عنوان «رحلة سفر يونانية»، كرّست بامتياز أسلوب خالد الذي اعتمد الأقمشة الفاخرة وتدرّجات الألوان المتناغمة. كذلك عكست الفساتين افتخاره بهويته وحضارته العربية، وهي ميزة لطالما طبعت أزياءه. فهو، في المجموعة الجديدة، لم يشذّ عن القاعدة التي اتبعها لسنوات طويلة، بل انتهج ذلك المزج الساحر بين الشرق والغرب، فارضاً مرة أخرى معايير جديدة على عالم الموضة. انطلاقاً من هنا، انبثقت تصاميم خالد المصري لموسم الشتاء. أطلّت العارضات، وهن يختلن بأزياء زاهية، ومتوّجات بأكاليل الغار اليونانية... يرفلن بأثواب طويلة تعكس عظمة التاريخ القديم في قالب عصري يتماشى مع وتيرة العصر السريعة.
ضمّت المجموعة نوعين من الفساتين: قصيرة كشفت عن الساقين لإبراز الأنوثة بخفر شديد. أما الغلبة فكانت للفساتين الطويلة. هكذا، أطلّ فستان أبيض طويل، مزدان بقطعة فضية أعلى الكتف، ومرفق بشال إلى الخلف، مجسّداً إطلالة إلهة الحبّ الإغريقية. كما لفت الانتباه فستان باللونين الأبيض والأزرق مرفق بمعطف ضخم باللون الأحمر والقماش الفاخر المطرّز بخيوط الذهب.

وداعاً للقيود

تشكيلة خالد المصري جاءت غنية بالتفاصيل الدقيقة والقصّات المنوّعة التي تمزج بين الإثارة الأنثوية والثقة العالية بالنفس، فحوت بداخلها أزياء بقصّات V وH، كشف بعضها عن الكتف من دون الآخر، مع التركيز على تميّز واضح في كلّ قصة.
أما أبرز ما ميّز أسلوب خالد في هذه المجموعة فهو الابتعاد التامّ عن الفساتين الملتصقة بالجسم، إذ سادت القصات الضيّقة عند الخصر لتعود وتتسع، ولا سيّما عند الوركين بأشكال متعددة لا تشابه في ما بينها. كما ضاقت بعض القصات عند الصدر ثمّ تحررت حتى أخمص القدمين، فيما اشتدّ بعضها الآخر عند الخصر لينسدل إلى الردفين والوركين، ما أتاح للمرأة حرية الحركة التامة.
بدا المصري سخياً في استعمال الأقمشة والألوان، فلم يبخل على الشتاء بألوان الضوء، كالأبيض والعسلي والأزرق، وتطاير «الشيفون» والشراريب الخفيفة الظلّ، بل حضرت بقوة إلى جانب المخمل الفاخر و«الشونجون»، وإن كانت الغلبة للألوان القاتمة كالأسود والأحمر والكحلي.

سحر الخطّ العربي

بما أن المجموعة مخصصة لموسم البرد، كان من الطبيعي أن يركّز على المعاطف الطويلة التي غطّت الجسم، لتضفي عليه مظهراً ملكياً، محققةً هدفين في آن: انبعاث الدفء والحرارة، وتجلّي الفخامة بأقصى حدودها.
عروس خالد المصري لم تكن سوى إمبراطورة تجلّلت بمظاهر البذخ والترف، وهي تمسك بأطراف أناملها معطفاً فاخراً طرّز بعناية شديدة، وانسدلت خلفها طرحة «الشيفون» الضخمة.
خلافاً لغيره من مصممي الأزياء، لا يخفي خالد المصري توجهه إلى امرأة مثقّفة، تدرك المعاني الجمالية لكل تصاميمه، فكما تحرّضه المرأة على إطلاق العنان لخياله، كذلك يؤدي دور المحرّض لفكرها كي تحلّل مفهومه لعالم الجمال والموضة.
وهوية خالد المصري المتفرّدة لم تغب عن مسيرته مذ عرض مجموعته الأولى «أبجد هوّز»، ثم تكرّست في مجموعة «أم كلثوم» التي قلبت موازين الموضة الباريسية، وأوقعت نقاد الموضة أسرى لسحر الخطوط العربية المطبوعة على الأقمشة. وهو بذلك أراد أن يثبت عراقة الحضارة العربية. لكن رغم كلّ الإنجازات المحقّقة، وآخرها اختيار أحد تصاميمه للعرض الدائم في متحف «غالييرا» الفرنسي، يبدي خالد خشية على عالم الـ«هوت كوتور» الراقي، ويتوقّع أفول نجمه لمصلحة الملابس الجاهزة. لذا يستعد في المرحلة المقبلة لإطلاق مجموعته الأولى للملابس الجاهزة، كما يتمنى تأسيس أول متحف للأزياء في الشرق الأوسط.





جورج شقرا «عائد» من القرن 22
معاطف، قفازات، وأقمشة فاخرة من البلاستيك طبعت مجموعة المصمم جورج شقرا لخريف وشتاء 2008 التي قدّمها على مسرح «كاروسيل اللوفر»، بحضور حشد من المهتمّين بعالم الموضة الراقية. هذا الموسم، ابتكر شقرا لسيدته إطلالة أنثوية وعصرية في آن، فقدم 43 قطعة، تميّزت جميعها بتنوّع التصاميم والمواد المستخدمة.
جولة على تصاميم شقرا تظهر شغفه بالحداثة والتجدد، واهتمامه بتكنولوجيا العصر. هكذا، فرض رؤيته المستقبلية مطوّعاً بين يديه الأقمشة الغريبة نوعاً ما عن خشبات العرض العالمية. وها هي مواد البلاستيك تتحول إلى كشكش عند الصدر، أو طرحة فوق رأس العروس، فيما تصدّرت ومضات الإشعاع الأقمشة اللماعة، وترسّخت معه الرموز الهندسية بأسلوب لا يخلو من الغرابة.
في هذه المجموعة، لم يترك شقرا نوعاً من الأقمشة ولا لوناً إلّا واستخدمه، فبرزت أقمشة الحرير و«التافتا» و«التول» و«الموسلين» و«الدانتيل» والمخمل و«الأورغنزا» و«الساتان» و«الشيفون» و«الشونتون» و«الغيبور» و«البروكار»! تمازجت جميعها في توليفة رائعة مع ألوان الشتاء الدافئة، فظهر الأسود والأزرق النيلي، والأحمر والفوشيا والأخضر والأزرق والأصفر والبنفسجي والذهبي والفضي، كما برزت الأقمشة المطبّعة بالورود، فضلاً عن المطرّزة بإتقان.
شقرا قدّم لامرأته خيارات واسعة، فضمّت مجموعته نوعين من الفساتين: قصيرة على شكل الأجراس، تشتد عند الخصر بأحزمة جلدية عريضة أو رفيعة. ثم تتسع عند الردفين، محدداً أشكالها إما بقصات مستقيمة أو منحنيات وثنيات عرَضية، لم تطلها حافتا مقصّ الخياطة.
كما ازدان بعضها بالكشكش الكثيف أعلى الصدر، وتميز عدد آخر بالقصات V وH. كذلك علت أحد الفساتين القصيرة ربطات كبيرة فوق الخصر، فيما تميّز عدد منها بالتطاريز الكثيفة، وبرز فستان باللونين الذهبي والفضي اللمّاعين، مرفقاً بمعطف ذهبي فاخر ذي طيّات عرَضية، بدا غاية في الأناقة، ليلبّي رغبة امرأة جامحة نحو رحلة إلى الفضاء.
وعلى رغم أن الفساتين القصيرة سلّطت الضوء على الساقين الرشيقتين، لفّت بجوارب سوداء سميكة، أثارت مشاعر الغموض والرصانة المطلقة بعيداً من الإثارة المجانية.
أما الفساتين الطويلة، فتألقت بأشكال فضفاضة وغير مستوية الطول مزدانة بياقات عالية إلى حدّ الرقبة، أو مكشوفة وتميّزت بقصّات مبتكرة متداخلة بشكل فوضوي أحياناً، مع طيّات من الأمام أو الخلف. وقد تخلّت بمعظمها عن الأكمام ليستعيض عنها شقرا بالقفازات الطويلة من أقمشة «الساتان» والمخمل.
القفازات لم تكن سيّدة الموقف لدى شقرا، لكن برزت أيضاً المعاطف الضخمة على شكل «البالون المستدير»، مجلّلة أكتاف العارضات لإطلالة مفعمة بالفخامة، بألوان راوحت بين الأصفر والأخضر والأسود والفضي والفوشيا المطبع بالورود.
بعدما سيطرت الفساتين لمدة طويلة على عروض الأزياء، عادت التايورات المؤلفة من السترات القصيرة والسراويل المستقيمة إلى الواجهة لتتصدّر عروض الأزياء الباريسية. ومع جورج شقرا برزت أيضاً التايورات المضيئة بأقمشة «الساتان» اللمّاعة، وقد تألف عدد منها من السترة الفضفاضة والشورت القصير مع سيطرة تامة للونين الأبيض والأسود.
شقرا، المفتون بالأضواء الباريسية المبهرة، طعّم الأقمشة بالتطاريز وحبّات الشواروفسكي التي ظهرت بكثافة في معظم التصاميم، ثم أحدث تناقضاً في فستان العروس الوحيد المتماوج بين اللّماع والناشف.
لا شكّ أن جورج شقرا حاول جاهداً إرضاء جميع الأذواق في هذه المجموعة، مستعيناً بقدرته على نحت القماش على الأجساد الفارعة الطول. وإن كانت دقة خصر المرأة قد استحوذت على خياله، إذ شغل بإبراز جماله إما بالأحزمة العريضة والرفيعة أو بالقصات الضيقة والثنيات الخلّابة. فهل سعى بذلك لطرح نظريته الثابتة في عالم الموضة، بأن أنوثة المرأة تكمن في دقة خصرها؟