strong>حلا ماضي
وسط «غابات الإسمنت» التي تكتظ بها شوارع الضاحية وبيروت، تقبع حديقة خضراء... على سطح إحدى البنايات في منطقة الشياح في الضاحية الجنوبية.
يشكّل وجود الحديقة بأشجارها الخضراء والمثمرة المتدلية من الجدران استثناءً يعشقه سكّان الحيّ والزوار. وقد أصبحت حديقة أسامة الخليل الممتدة على طول شرفة منزله الواقع في الطابق السادس، مشهداً أساسياً لسكان شارع مارون مسك، يطلّون صباحاً ومساءً من نوافذهم في اتجاهها «لترتاح» عيونهم بالنظر إليها من مشاهد الجدران والأبنية المتكدّسة والمحيطة بكل منزل. أصبح ذلك المكان «واحة» ومتنفساً للسكان، وذلك بعدما تقلصت المساحات الخضراء في المدينة، وشكّلت جزءاً مهماً من حياة أصحابها. فقد وهب أصحاب الشرفة الخضراء كل اهتمامهم ووقتهم للاعتناء بها. منذ الثمانينيات من القرن الماضي بدأ أسامة الخليل، مالك العقار وصاحب فكرة إقامة حديقة على سطح منزله، وقام ببناء أحواض لمزروعاته المتنوعة التي تجمع بين الأشجار والفواكه الاستوائية والمزروعات الموسمية على مساحة 650 م2، جعلت من سطح المنزل غابة مصغّرة وحديقة فريدة من نوعها.
فما إن تدخل منزل الخليل، تفاجئك رائحة الياسمين الممزوجة بروائح ورود أخرى، وسرعان ما تجد نفسك في جوّ مغاير للعالم الخارجي، من حيث نقاوة الهواء والهدوء السائد. وتحتضن الحديقة أشجار النخيل والموز والرمّان والكرمة على أنواعها وأشجار اللوزيات من مشمش وخوخ ودراق، إضافة الى أشجار الصبّار. وفي هذا الإطار يشير الخليل الى أنّ «أهالي المنطقة كانوا يزرعون أرضهم بالصبّار جاعلين منه سياجاً يسوّر المنطقة بأكملها»، ولكن هذه الأشجار اقتلعت وحلّت مكانها المباني الإسمنتية. ويمكن اعتبار ما أنجزه الخليل «حديقة معلقة» فوق مبنى مؤلف من ستة طوابق. «يعرف عن أهالي الضاحية منذ القدم، حبّهم للزراعة، ولا يزال البعض حتى اليوم يزرع «أتلاماً» صغيرة أمام منزله تحتوي على الفجل والبقدونس على رغم قلة المساحة»، يوضح الخليل ويضيف أنه يريد الحفاظ على هذه «السمعة». من هنا جاء اهتمامه بتكبير حديقته والاعتناء بها، فصارت «حياته اليومية ترتكز على مراقبة نباتات الحديقة ورعايتها والاعتناء بنموّها».
نادراً ما يخرج الخليل من منزله لكثرة انشغاله بحديقته، وهو أثناء العدوان الاسرائيلي الأخير على لبنان، لم يترك «مملكته» خوفاً عليها من العطش واليباس، وخاصة أنها تضمّ نباتات أصبحت نادرة في المنطقة كشجرة الجميز، وملكة مصر، وورد فلسطين، ويروي الخليل أنه أثناء العدوان الأخير ظل على سطح منزله بين أشجاره يحمل بندقية ويحمي نفسه و«يؤمّن عليها»، ويسهر على مجموعة قفار النحل التي يهتم بها الخليل أيضاً على سطحه. وإضافة الى جمال المنظر وتنقية الأجواء، تغني تلك الحديقة عائلة الخليل عن شراء مختلف أنواع الخضر والفواكه إذ تدرّ عليهم إنتاجها الموسمي الذي يختلف كل الاختلاف عن منتجات السوق غير الطازجة. ويسعى الخليل الى تقديمها لأصدقائه وضيوفه الذين يتوافدون الى حديقته يومياً مع غروب الشمس، لقضاء أمسية تحت ظلال الأشجار وأوراقها.