strong>عثمان تزغارت
من «حريم مدام عصمان» (2000) إلى «فيفا لالدجيري» (تحيا الجزائر ــــ 2004)، استطاع نذير مخناش أن يفرض أسلوبه المشاكس ونبرته الصدامية على الساحة السينمائية الجزائرية التي تحاول الإفلات من سنوات الحرب الأهلية. وإذا كان بعضهم قد رأى في عملية الأولين بصمات «سينما الحومة» (الحارة) الجزائرية التي أسّست لها أفلام مرزاق علواش الأولى في السبعينات («عمر قتلاتو»...)، فإن الصحف الفرنسية قارنت فيلمه الأخير Délice Paloma بـأعمال وعوالم المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار.
وبالفعل، فإن الشخصية المحورية لـ Délice Paloma زينب آغا الملّقبة بـ«مدام ألجيريا»، تبدو كأنها خارجة للتوّ من فيلم ألمودوفار Volver («العودة»). ويفتتح نذير مخناش فيلمه بمشهد خروجها من السجن وحيدة ومكسورة، بعدما فقدت كل شيء.. ليسرد بعد ذلك أسرار وغرائب سنوات سطوتها وجبروتها السابقة، أيام كانت مدام ألجيريا ذات اليد السحرية القادرة على فتح أي باب، وحل أي مشكلة. إذ لم يكن أحد يستطيع مقاومة نفوذها من أبسط مسؤول عن الصرف الصحي في الإدارة المحلية، إلى وزير حقوق الإنسان والتضامن الوطني. ذلك أنّها تمتلك خزنة عامرة ترشّ منها أموال الرشوة بلا حساب، فضلاً عن شبكة من «بنات الهوى» الفاتنات، «من ذلك النوع النووي الذي يحلم به الإيرانيون»، كما تقول ساخرة.
هي شخصية غريبة ومتآمرة، لكن الجميع يشهد بأفضالها في مساعدة الناس والتوسط لحل مشاكلهم الإدارية في بلد يخنق فيه الفساد السياسي والاقتصادي أنفاس الجميع. ما يفسر تلقبيها بـ«مدام ألجيريا»، حيث تحسب نفسها «مصلحة اجتماعية»، وتقول: «إذا كنت بحاجة لتصريح بالبناء (الجميع يحلم ببناء بيت في الجزائر!)، فأنا أتوسط لك في كل معاملاتك الإدارية... وإذا كان لديكِ زوج ثقيل الظل أكل ثروتك وأقرف عشرتك، فأنا أخلّصك منه، وأطلّقك على طريقتي... وإذا كنت وحيداً ذات ليلة، وتريد حسناء تؤنس وحدتك، فأنا أؤمّن لك ما تريد...».
من خلال إمبراطورية مدام ألجيريا، وعوالمها الليلية السرية التي تُبرم فيها الصفقات وتُحاك المؤامرات، يقودنا نذير مخناش إلى رحلة غير مسبوقة في جزائر ما بعد «الحرب الأهلية» (حذار استعمال هذا المصطلح وأنت تخاطب الجزائريين، فبعد مئتي ألف قتيل خلال عشر سنوات، لا يزالون يرفضون الاعتراف بأن ما حدث كان حرباً أهلية!).
نكتشف هنا صورة أخرى لجزائر مغايرة تماماً لتلك التي رسمتها الأحلام الثورية في الستينات، وصوّرتها في حلّة وردية بوصفها «قِبلة الثوار» و«يابان أفريقيا». فإذا بالحلم يتحوّل إلى كابوس لنكتشف بعد أربعين سنة بلداً محطماً خارجاً من حرب أهلية طاحنة، تحتكر فيه أقلية من جماعات النفوذ الامتيازات السياسية والاقتصادية، فيما غالبية الشعب غارقة في مشاكل الفقر والبطالة والتهميش. ما يضطر الناس إلى تدبير أمورهم بكل الوسائل المتاحة، عبر الاقتصاد الموازي الذي يتحكم في 75 في المئة من الناتج القومي (معجزة أخرى من معجزات «مكة الثوار»!)، عبر الفساد المالي والتهريب والدعارة...
على غرار الجزائر بأكملها، تحلم مدام ألجيريا بالخلاص، فتنقذ زوينة/ شهرزاد، إحدى مومساتها من براثن الدعارة، وتحقق لها حلمها بالزواج والإنجاب، وتقبل ــــ ولو على مضض ــــ بالعلاقة العاطفية التي تنشأ بين ابنها رياض وأجمل بنات شبكتها رشيدة التي اكتشفتها في أحد المقاهي ولقّبتها بـDélice Paloma، على اسم كوكتيل جزائري مثلج يصنع من الليمون والياسمين. مدام ألجيريا تحلم بأن ترتاح بدورها لذلك، تقرّر شراء حمامات كركلا الأثرية وتحويلها إلى مجمع سياحي. لكن ذلك يحتاج إلى أموال طائلة، ما يجعلها تقدِم على عملية احتيال أخيرة، قبل الاعتزال. لكنها ــــ ويا لسخرية الأقدار ــــ تقع خلال تلك العملية لتخسر كل شيء وتنتهي في السجن...




ضمن سلسلة النشاطات التي ينظّمها «نادي لكل الناس»، يُعرض فيلم «آنسات، نساء، مواطنات» لمحمود حجيج الأربعاء 5 أيلول (سبتمبر) و«حرب السلام» لهادي زكّاك الخميس 6 أيلول (سبتمبر) 2007، عند الثامنة مساء على «مسرح بابل» الذي يديره المسرحي العراقي جواد الأسدي في الحمرا (سينما مارينيان سابقاً، سنتر مارينيان، قرب مستشفى الجامعة الأميركية). يلي العرض حلقة حوارية.
للاستعلامات: 03,570020