strong>جلنار واكيم
لا يمكن لمن يزور المغرب، الا أن يتوقف عند جمال الهندسة المعمارية التقليدية المميزة التي سعت المغرب للمحافظة عليها بشكل كبير. فـ «الهوية المغربية» حاضرة في مختلف المدن هندسة وديكوراً وتزيين حدائق، ما جعل من المغرب متحفا كبيرا متنقلا بين مختلف مدنها وبلداتها. و لا شك أن الهندسة المغربية هي جزء حاضر من التاريخ الأندلسي الذي حمله العرب من اسبانيا إلى المغرب

منعاً لزوال احدى أهم الميزات التي تطبع الحضارة المغربية، وتجنباً للابقاء على حضارة المغرب طيّ الماضي وفي المواقع الأثرية فقط بدأت، ومنذ ثلاثين عاما، «ظاهرة» تحويل الدور المغربية إلى فنادق تستقبل السواح. فنادق بمواصفات عالمية وطابع مغربي قديم، يقصدهها آلاف السياح سنويا. ما سمح بتمويل اعمال الترميم لإنقاذ تلك الدور من خطر الانهيار. وقد اختار الفرنسيون، الذين بادروا في هذا المشروع، تسمية الدور ب «الرياض».
و«الرياض» في اللغة العربية تعني الحديقة. و يقصد بها الحديقة التي تتوسط الدار المغربية أو الدار الأندلسية التقليدية، حيث لكلّ بيت مساحة خضراء تتوسطها نافورة مياه. أما مفهوم الرياض اليوم فيستخدم للتعريف بالدور القديمة التقليدية التي حوّلت الى فنادق. و مفهوم الرياض مفهوم خاص بالمغرب،حيث تم ترميم دور مهجورة و اعيد اصلاحها لتستقبل الزائرين بحلة مغربية تقليدية بحتة. أما عن مكان وجودها، فيقتصر على المدينة القديمة، اي داخل السور الذي يحد المدينة، تحديدا في مراكش و فاس و اسويرة و مكناسوقد باتت اليوم أهم الفنادق العالمية تتنافس لتصميم نماذج مميزة لهذه الفنادق التي تقدم صورة نموذجية عن الحياة المغربية التقليدية. و يقدر عدد الرياضات المرممة اليوم في المغرب بـ500 رياض. وقد بلغ عدد السياح مليوني سائح في العام الماضي في مراكش، ويصل هذا الرقم الى المليون سائح في فاس، و هو رقم ارتفع فقط في السنوات العشر الأخيرة، منذ أن بدأت الأنظار تتحول الى هذه المدينة التاريخية.
أما عن التكلفة، فهي تشبه الى حد كبير التكلفة الفنادق التي تتغيّر من النجمة الواحدة وصولا الى الخمسة نجوم، و يرتكز تصنيفها على الركائز ذاتها التي تستخدم لتصنيف الفنادق العالمية، كوجود حوض للسباحة و توفر مصعد و عدد المطاعم الموجودة، الخ. يبلغ ثمن الغرفة في رياض عادي ثلاثين يورو و يصل الى الخمس مئة لليلة الواحدة في جناح رياض خمسة نجوم. والدولة اليوم هي التي تشرف على نظافة و راحة وأمن هذه الأماكن التي يقصدها السواح من جميع أنحاء العالم.
و بالاضافة الى الأوروبيين وخاصة الفرنسيين الذين كانوا اول من اهتم باعادة ترميم تلك الدور وتحويلها الى فنادق، ثمة افراد مغربييون يعملون اليوم على انقاذ هذا التراث. شكير صفريوي مهندس في مدينة فاس عمل فيها طوال ثلاثين سنة برعاية واشراف الدولة المغربية، وهو اليوم يعمل لحسابه الخاص، في ترميم المنازل القديمة، وفقا لشروط الأونسكوويشرح صفريوي أن هذه الدور كانت في البداية أملاكا لعائلات مغربية ارستقراطية، ثم شهدت فترة اهمال بسبب «تركيبة المجتمع المغربي و الخصوصية التي تحيط بقانون الميراث فيه». ففي المغرب خصوصية في الأرث و الوارث لا توجد في أي دولة أخرى. اذ بامكان الشخص أن يترك ارثه لا الى فرد من عائلته أو الى شخص ما، انما الى طائر يملكه، أو الى حصانه، او لأي كائن كان يملكه ويعتني به، أو حتى للحفاظ على صناعة معينة كصناعة الفخار، الخ.... و ما زالت هذه العادة جارية حتى اليوم. لذا أنشات الحكومة المغربية أوقافا لتسهر على تنفيذ هذه الوصايى. و الكثير من الأوقاف مرت عليها عشرات السنين. و باتت هذه البيوت معرضة للهدم ان لم يقم أحد بترميمها. لذا حاول المهتمون بالتراث أن يجدوا لها استثمارا أو تأجيرها أو حتى بيعها لشركات تعيد ترميمها.
أما عن الدعم الحكومي للحفاظ على هذه البيوت التقليدية، فهو كان يتركّز على مدينة مراكش فقط اما اليوم، فلقد اتجهت أنظار الحكومة الى باقي المدن و تحديدا مدينة فاس. فبالأضافة الى المراكز الحكومية المختصة بالرياض تعمل الحكومة اليوم على ترميم خمس مئة دار في فاس القديمة.

فاس: مدينة الأرستقراطيّين
تأسست مدينة فاس على يد الملي ادريس بعد أن هرب من الاندلس بسبب حروب الردّة. فاستقر في فاس و جعل منها ملجأ للعائلات الارستقراطية الاندلسية و غيرها من العائلات التي أتت من قيروان في تونس، من الذين تعرضوا للهجوم من قبل من كانو يسمّون بـ «غزاة الجنوب». و منذ البداية تمتعت فاس بتركيبة المدينة ذات الطابع الاندلسي والأصول القيروانية التي لا تزال حاضرة فيها حتى اليوم. وتقسم المدينة القديمة الى حيين أساسين. الحي الأول هو «حي الأندلسيين» و الثاني «حي القيروانيين». ويبدو تأثير تلك الشعوب التي لجأت الى فاس جليّاً في الهندسة و العمارة و العلم و المعرفة و الثقافة وطريقة العيش الارستقراطية التي انتقلت حتى الى المناطق المغربية المجاورة لمدينة فاس. ومن هنا نفهم لماذا يعتدّ الفاسيون بأصولهم. فأن تكون «فاسيّا» يعني أنك تتمتع بالمعرفة و بثقافة ذات مستوى عال.
ورياض فاس، هو أحد أهم و أشهر الرياضات في المغرب ويملكه الدكتور في علم النفس عبد الحي بن غازي. وكان يعود الى عائلة فاسية ارستقراطية. و لكنه اهمل عندما هجره اهله خلال موجة الهجرة التي لحقت بالمدينة مند السبعينات. وزبائن هذا الرياض هم في الأغلب أوروبيون يليهم الأميركيون، و بالدرجة الثالثة السواح العرب، و تحديدا اللبنانيين.