الرياض ــ علاء اليوسفي
تبدو الأمور طبيعية في مكاتب «الحياة» في السعودية، الموظفون يتابعون عملهم كالمعتاد، في انتظار الضوء الأخضر لعودة الصحيفة إلى السوق. لكن ما الذي حصل منذ الإثنين الفائت؟ لماذا منعت وزارة الإعلام الصحيفة من الصدور؟ وهل يأذن الديوان الملكي بعودتها بعدما غطّى قرار توقيفها؟

توقّع مصدر في صحيفة «الحياة» أن تعود الطبعة السعودية إلى الأسواق المحلية قريباً، بعد قرار وزارة الإعلام بمنعها من الصدور بدءاً من يوم الإثنين المنصرم. لذا، لا يزال الموظفون يتابعون أعمالهم بشكل طبيعي في مكاتب الصحيفة الرئيسية في الرياض والدمام وجدة، في إشارة إلى إمكان عودة الضوء الأخضر لنزولها إلى الأسواق في أي وقت.
وكان قرار الإيقاف قد أثار علامات استفهام بقيت طيّ الكتمان حتى لدى العاملين داخل الصحيفة، حول السبب الذي أدى إلى حجبها. وجلّ ما كشف عنه بعض المسؤولين لموظفيهم أن القرار أتى على خلفية تراكمات ضاقت بها صدور المسؤولين في الحكومة، نتيجة مساحة الحرية المعطاة لكتّابها. لكن مصدراً في «الحياة» فضّل عدم ذكر اسمه أفاد «الأخبار» بأن قرار التوقيف جرت مناقشته، على هامش اجتماع مجلس الوزراء يوم الإثنين الماضي بين بعض الوزراء من جهة، ووزير الإعلام إياد مدني من جهة أخرى. وذلك على خلفية بعض المقالات التي نشرت أخيراً، وتضمنّت انتقادات قاسية لأداء عدد من الوزارات. وخصّ المصدر بالذكر الصحافي عبد العزيز السويد، وهو كاتب عمود يومي في الصفحة الأخيرة، كتب في الآونة الأخيرة مقالات وجه فيها نقداً لاذعاً واتهامات بالتقصير إلى وزارة التجارة على خلفية غلاء الأسعار، وإلى وزارة الزراعة على خلفية قضية نفوق الإبل، إضافة إلى وزارة الصحة التي اتهمها بالتقصير في متابعة ظاهرة الأخطاء الطبية في المستشفيات، كذلك في قضية حملة الحصبة.
لكن طلب إيقاف الجريدة لم يكن بعيداً من رغبة الديوان الملكي، إذ ذكر المصدر أنّ قرارات مماثلة لا يمكن أن تتخذ إلا بعلم من الديوان أو من خلال مجلس الوزراء. وهناك محاولات يقوم بها مالك الجريدة، ابن ولي العهد الأمير خالد بن سلطان، لإعادة الأمور إلى نصابها، وخصوصاً أن السويد يعتبر محسوباً عليه.
تجدر الإشارة هنا إلى أن الطبعة السعودية من الصحيفة، تُرسل يومياً إلى الرقابة في وزارة الإعلام قبل صدورها، وهو إجراء لا يطبّق على بقية الصحف السعودية. ومن خلال الاطلاع على العدد المُصادر في اليوم الأول (الإثنين 27 آب/ أغسطس) والمنشور على موقعها الإلكتروني، يتبيّن وجود مقال نقدي للسويد يتناول فيه قضية الأخطاء الطبية.
وعلى رغم حرص الصحيفة الدؤوب على عدم إثارة حفيظة الرقابة السعودية، ليست هذه المرة الأولى التي تمنع فيها من التوزيع هناك: خلال الفترة التي سبقت صدور الطبعة السعودية، تسببت مقالات عدة في منع توزيعها، لعلّ أبرزها المقال الساخر الذي كتبه داوود الشريان، وتناول فيه الاجتماعات الدورية التي يجريها وزير الإعلام مع رؤساء التحرير وإملاءه عليهم لوائح الممنوعات والمسموحات، إضافة إلى القضايا التي ينبغي التركيز عليها. كما أوقفت مرة أخرى عن التوزيع على خلفية خبر تناول حفلة انتخاب ملكة جمال في إحدى مدارس السعودية، ولم تكن تلك الحفلة لتتم إلا بناءً على معايير محلية، لا تمت بصلة إلى المعايير المتعارف عليها في مسابقات مشابهة. وهي كانت أشبه ما يكون بانتخاب «ملكة جمال الأخلاق»، البرنامج الذي أنتجته وعرضته أخيراً فضائية «اقرأ» السعودية.
كما أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها توقيف صحيفة سعودية عن الصدور داخل المملكة. قبل سنوات، أوقفت «المدينة» التي تصدر من المدينة المنورة لمدة يومين، وسُجن رئيس تحريرها محمد مختار الفال على خلفية نشرها قصيدة جريئة بعنوان «المفسدون في الأرض» تناول كاتبها عبد المحسن حليت موضوع القضاة الفاسدين. كما صودرت أعداد جريدة «البلاد» التي تصدر من جدة، بعدما نشرت مقالاً لمستشار وزير الداخلية، أساء فيه إلى دولة قطر التي لم تكن علاقتها بالمملكة متوترة كما هي اليوم. واضطرت صحيفة «الوطن» إلى التخلي عن رئيس تحريرها قنان الغامدي، نتيجة نشرها مقالات تجاوزت المحرمات الدينية. ولا تتردد وزارة الإعلام عن إصدار قرارات غير معلنة بمنع الصحافيين من الكتابة لفترة معينة، وهو ما حدث أخيراً مع صالح الشيحي من جريدة «الوطن»، إضافة إلى حجب بعض المواقع على الإنترنت من قبل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وما زالت «إيلاف» الإلكترونية محجوبة حتى اليوم في السعودية.
وبالعودة إلى «الحياة»، فقد أنشئت الطبعة السعودية مطلع عام 2005، بعدما كانت تدخل المملكة باعتبارها صحيفة عربية تصدر من لندن وبيروت، ولم تكن منتشرة إلا في أوساط نخبويّة. وقام المشروع في البداية من خلال الاستعانة بكادر تحريري من مكتب بيروت، وآخر فني من مكتب لندن. وكانت رغبة القائمين على المشروع، بتوطين الجريدة و«سعودتها» من خلال إضافة صفحات وملاحق محلية إلى الصفحات الدولية. وباتت الطبعة السعودية تتضمن اليوم محليات، وملاحق شبيهة بتلك التي تصدر في بيروت وتتوزع بين ملحق المرأة، والأسرة، والتحقيقات، والرأي، ووجهات النظر، والشعر، والدين، إضافة إلى صفحات ثقافية، لكنها لم تصل مهنياً إلى مستوى الصفحات التي تصدر في بيروت. عدا ذلك، فقد أفرد المشروع صفحات محلية، مخصصة لكلّ منطقة من مناطق الرياض وجدة والدمام في ما يعرف بـ«محليات المحليات» وعددها ثلاث صفحات، وهي تختلف من منطقة إلى أخرى. ويدير المكاتب الثلاثة سعوديون في ما يشبه العرف.
أما بالنسبة إلى انتشارها فيؤكّد مدير التحرير في السعودية جميل الذيابي، أن هناك أكثر من 100 ألف اشتراك، جعلت «الحياة» في مصاف الصحف الثلاث الأولى في السعودية. ومهما كانت دقّة هذه المعلومات، فالمؤكّد هو أن «الحياة» وجدت طريقها أخيراً إلى القارئ السعودي، باعتبارها جريدة محلية... علماً بأنّ حملات التسويق السنوية وجوائز توزيع السيارات لعبت دوراً في تعزيز عدد الاشتراكات.