حسين بن حمزة
من السيرة الشخصية التي بعضها حقيقي وبعضها الآخر متخيل، ينشأ الشعر الذي تكتبه رنا التونسي. مجموعتها الرابعة «تاريخ قصير» صدرت قبل أشهر عدّة عن «دار النهضة العربية» الغزيرة في تغطية الأجيال الشعريّة كلّها، لكن لا بأس من العودة إليها من هذا المنطلق: موقع «الأنا» من القصيدة. بدءاً من عنوانها تبدو المجموعة سيرة تتجول في طيات النصوص التي يعود معظمها إلى «أنا» واضحة متغلغلة في مساحة القول الشعري كلّه.
الذات وشؤونها هي أول ما يمكن تحويله إلى مشروع للكتابة. وهذا ما تواظب التونسي على استثماره. حين تُمرّر الكلمات والاستعارات تحت وحشة الذات تتزيا بمذاقات مختلفة. التأثير الأكبر الذي يتلقاه القارئ موجود في هذه النبرة التي تمزج بين التجربة الشخصية وطموحات الكتابة. ثمة حميمية مقنعة سرعان ما تنتقل عدواها إلى القارئ. لعل بعض هذه الحميمية يظل في نطاق الخواطر الذاتية من دون أن يعني أنّ هناك انتقاصاً من قيمتها وجدواها. القصد أنّ المزيج الذاتي والكتابي يغش غالباً الشعراء أنفسهم، فيظنون أنّ الإدهاش وحده ـــــ ولو كان بريئاً وبسيطاً ـــــ يكفي للحصول على علامة لائقة في الشعر. بينما قراءة متمهلة ومتطلبة أكثر قد تبين أنّ هذه الكتابة القائمة على اللعب والادهاش فقط لا تنقذ النثر الخواطري الذي تتألف منه.
لا أحد يقدر اليوم أن يعطي تعريفاً جامعاً ومانعاً للشعر، لكن يظل في وسع القارئ أن يميز بين ما هو مشاع من نثريات ويوميات وخواطر متسرعة، وبين الشعر الذي يلمع بين السطور ذاتها. الأمر يعود، في النهاية، إلى ذائقة كل قارئ.
في ما يخص كتابة رنا التونسي، يمكن القول إنّ ثمة سوية شعرية واضحة في أغلب نصوص مجموعتها، ورغم ذلك، يمكن تفريق مقاطع تبدو أكثر شعرية من سواها، مثلما هي الحال حين تكتب: «على الجدار/ كانت هناك صورة واحدة/ معلقة لروحي/ صورة لا تشبهني/ لا تعرفني/ بنطالي الملتصق بي/ هو وحده/ من يعرف طعم الحلوى المخبأة في عروقي».
ثم نلاحظ خفوت الشعر وهبوطه حين تقول: «من صغري/ كانت هوايتي/ تقمص شخصيات بطلات الأفلام/ خاصة في مشاهد القبل، الألم والوداع/ هكذا/ ولدت بشخصية مازوشية».
نصوص رنا التونسي، سواء في المقاطع اللامعة أو العادية، تنجح في إقناع القارئ بطرافة ما تكتبه. ثمة سرّ ما يدفع القارئ إلى عقد صداقة مع نصوصها. الأرجح أنّ هذا السر عائد إلى الصدق الذي يفوح من نبرتها. إنها تمارس ذلك سواء في تدوين الواقع أو في استدراج المخيلة إلى منازلة هذا الواقع. في الحالتين، نجد رغبة قوية في سرد جوانب من «تاريخ قصير» للذات. أليس هذا ما يعطي بريقاً شعرياً لأي عبارة اعتيادية؟ لنقرأ: «لو كانت لي معركة/ لتركت جنودي/ تذهب هناك/ وتحارب بلا ضمير».