بشير صفير
  • عازف العود التونسي: عودة مزدوجة إلى بيروت

  • قبل عام جاء أنور براهم إلى لبنان مع كاميرا فيديو، مباشرة بعد العدوان الإسرائيلي. وكان فيلمه الأول «كلمات ما بعد الحرب» الذي يعرضه هذا المساء، قبل أن يحتضن عوده في الـ«ميوزيكهول»، ليقدّم«رحلة سحر» بين غرناطة وحدائق زرياب
    وحي الحلفاوين


    نعم، أنور براهم مجدداً في بيروت. كسينمائي أولاً... ثم كموسيقي كما نعرفه منذ أكثر من عقد! عزف هذا الموسيقي العالمي للمرة الأولى في لبنان، عام 1994. هنا تعرّف عن كثب إلى وطن يحاول النهوض من كبوته. ثم عاد إلى بعلبك ذات صيف مطمئن... وكانت حفلته الأخيرة هنا، صيف 2004 بدعوة من مهرجان «ليبان جاز». الصيف الماضي جاء أنور بعد الحرب، ليصوّر فيلماً على درجة من الخصوصيّة، يعرض هذا المساء في «مسرح المدينة» برعاية جريدة «الأخبار» (راجع الكادر). لكنّ عازف العود التونسي سيرتدي، مساء الغد، بذلة الموسيقي من جديد، ويعود إلى الجمهور الذي يعرفه جيداً، من خلال أمسيتين في الـ«ميوزيكهول» مع رفيقيه فرنسوا كوتورييه (بيانو)، وجان ـــــ لوي ماتينييه (أكورديون).
    في فيلمه «كلمات ما بعد الحرب» يستعمل براهم مقاطع موسيقية من تأليفه، منتقاة من ألبومَيْ «خطوات القط الأسود» (2002) و«مقهى أستراخان» (2000)، إضافة إلى مقطوعة بعنوان «بيانو» للموسيقي الروسي أندريه ديرغاتشيف من ألبوم The Return («العودة»، مكتوبة لفيلم المخرج الروسي أندريه زفياغينتساف)، وأغنية بعنوان «لَيَلّلي بيحبّونا» لزياد الرحباني نصاً وموسيقى.
    بين أنور براهم والجمهور اللبناني علاقة قديمة إذاً، فقد سبقته أعماله إلى لبنان، كما سبقته إلى القدس والقاهرة ودمشق ومراكش ورام الله. والموسيقى هي صلة الوصل بين أمسياته الثلاث في بيروت ابتداء من اليوم. على مدى ليلتين، يعزف في نادي «ميوزيكهول» البيروتي، مع كوتورييه وماتينييه. ويأتي الحدث الذي ينظّمه «ليبان جاز» و«إليفتريادس» بالتعاون مع مهرجانات ذوق مكايل الدولية بعد أكثر من سنة على صدور أسطوانة براهم الأخيرة «رحلة سَحَر» عن ECM (2006). والأسطوانة المذكورة صدرت بدورها بعد أربع سنوات من «خطوات القطّ الأسود» (2002)، وهي مشابهة لها في التركيبة الثلاثية (عود، بيانو، أكورديون)، وفي الجو الموسيقي العام الذي يميل إلى الهدوء والنغمية في إطار بنية تأليفية صلبة. إذ إنّ براهم اعتمد التأليف الموسيقي المكتوب (تم التأليف على آلة البيانو) مضيّقاً هامش الارتجال في الأداء. في «رحلة سَحَر» عنوان البرنامج اللبناني، يقدم أنور براهم موسيقى تأملية تستدعي السكينة، وسط عالم صاخب:«غرناطة» و«حدائق زرياب» و«الحلفاوين» ذلك الحي الشعبي التونسي الذي أبصر فيه النور.
    يقدّم براهم في موسيقاه نوعاً من الخلاصة الآتية من ثقافات مختلفة، تنطلق من جذور الموسيقى التراثية الشعبية التونسية وما تحمله أصلاً من نكهات شرقية وأوروبية وأفريقية. بعد غوصه في الموسيقى الشعبية التونسية، راح براهم يفتش عن آفاق جديدة تغني تجربته، من خلال الانفتاح على ثقافات موسيقية من التانغو والفلامنكو، إلى الموسيقى الهندية والفارسيّة والعربيّة... وصولاً إلى الجاز الذي وجد فيه قدرته على عبور كل الثقافات والتفاعل معها بليونة لا تتمتع بها أنماط موسيقية أخرى.
    التقى أنور براهم في فرنسا كبار الموسيقيين العالميين، وخصوصاً الآتين من بلدان أوروبية أخرى إلى باريس. وفي عام 1990 جمعته المصادفة بالمنتج الألماني مانفرد أيشر صاحب شركة ECM العالمية المتخصصة في التجارب الموسيقية المستقلة في عالم الجاز والموسيقى الكلاسيكية المعاصرة وموسيقى الشعوب. كان هذا اللقاء مفصلياً في مسيرة الفنان التونسي، وبدأت الإصدارات تتوالى من «برزخ» و«حكاية حبّ لا يصدّق» و«مدار» و«خُمْسَة» و«ثمار»... إذا وضعنا جانباً الأسطوانتين الأخيرتين، نجد أن براهم يعتمد في كل عمل تركيبةً مختلفةً، ماضياً في اختبار الأصوات الجديدة، والنكهات المختلفة، من طريق الآلات الموسيقية وجنسيات الموسيقيين المشاركين. وقد تعاون منذ مطلع التسعينيات مع أسماء كبيرة أمثال يان غربارك (عازف الساكس النروجي) وقدسي أرغونر (عازف الناي التركي) وجون سورمان (عازف الباص كلارينت والسوبرانو ساكسوفون البريطاني) ودايف هولند (عازف الكونترباص البريطاني) وبربروس إيرزكوزي (عازف الكلارينيت التركي)، وريشار غاليانو (عازف الأكورديون الفرنسي) وغيرهم. ولا ينبغي أن ننسى تعاونه مع موسيقيين بارزين من تونس: بشير السالمي (كمان) والأسعد حسني (إيقاعات) اللذين رافقا انطلاقته الأولى في تونس.
    اهتم أنور براهم بالتأليف للسينما والمسرح، وقد وضع موسيقى بعض الأعمال التونسيّة أو العالميّة المشهورة. نشير على سبيل المثال الى تعاونه مع موريس بيجار في استعراض «تالاسا... بحرنا». كما ألف موسيقى فيلم كوستا غافراس «هانا ك». وعلى الصعيد التونسي كتب براهم موسيقى مسرحيّات عدة، لعلّ أبرزها إسهامه في مسرحيّتي محمّد ادريس «إسماعيل باشا» و«ونّاس القلوب». في السينما نذكر «صفائح من ذهب» و«يزناس» لنوري بوزيد، «عصفور السطح» لفريد بوغدير، «صمت القصور» و«موسم الرجال» لمفيدة التلاتلي.
    في عام 2004، قدّم مع فرقته مقطوعات أسطوانة «خطوة القطّ الأسود» في حفلة ذوق مكايل كما هي، من دون إضافات أو تعديلات تذكر، فخاب أمل الجمهور اللبناني الذي كان ينتظر الجديد. فهل تكون حفلة «ميوزيكهول» استمراراً لحفلة الذوق مع الفارق الزمني؟ تماماً كما أتت أسطوانة «رحلة سحر» استمراراً لسابقتها؟ أم أنّ أنور يخبئ لنا بعض المفاجآت؟

    حفلتان في الـ«ميوزيكهول» غداً الأحد وبعد غد الاثنين ــــ الثامنة والنصف
    للاستعلامات والحجز:
    Liban Jazz : 01/566966
    MUSICHALL : 03/807555
    www.anouarbrahem.com