فرح داغر

منذ إعلان التشكيلة الجديدة لمجلس إدارة شبكة «الجزيرة» في أيار (مايو) الماضي، صدرت مئات التقارير الإخبارية والتحليلية في شأن ذلك المجلس الذي يضمّ سبعة أعضاء، لمدة ثلاث سنوات، لم يُدرج بينها اسم المدير العام وضاح خنفر. ما فسّره بعضهم بأنه محاولة لإقصائه عن منصبه مستقبلاً، وإنهاء ما يسمّى «نفوذ الإسلاميين» في المحطة.
وفيما اختلفت هذه التقارير في تحليلاتها، اجتمعت على تأكيد أهمية الدور الإعلامي والسياسي للقناة التي أثبتت خلال عشر سنوات، تقدّمها على باقي قنوات التلفزيون العربية والأجنبية على صعيد نقل الخبر والصورة الحيّة للمشاهد العربي أينما كان. حتى إنّ بعضهم رأى أنّها أداة تعبوية سياسية، لطالما أثارت حفيظة اليمين المتطرف النافذ داخل حكومة الرئيس الأميركي جورج بوش، وهي عبّرت مراراً عن غضبها تجاه التغطية الإخبارية والحوارية التي تقدّمها «الجزيرة» عبر برامجها اليومية. ولعلّ هذا ما دفع ببعضهم إلى الاعتقاد بأن التشكيلة الجديدة لمجلس الإدارة هي رضوخ للضغط الأميركي، وقد وصل الأمر بهولاء إلى حدّ الادّعاء بأن بعض الأعضاء في مجلس الإدارة الجديد هم أميركيو التوجّهات والارتباطات، وهو ما تنفيه مصادر مطلعة داخل «الجزيرة». وخصوصاً أن مهمة مجلس الإدارة ترتبط بشكل مباشر برسم الاستراتيجية العامة لشبكة «الجزيرة» بكل فروعها وإعداد ميزانيتها السنوية، ولا يتدخل بصورة مباشرة في السياسة التحريرية للقناة، المتروكة لهيئة وإدارة التحرير.
وتشير هذه المصادر إلى أنّ التغيير في مجلس الإدارة يندرج ضمن النهج الذي اعتمده أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني منذ سنوات، إذ يتم تبديل أعضاء المجلس في كل دورة، ما عدا العضو الدائم، وهو رئيس مجلس الإدارة الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني.
وتوضح هذه المصادر أن تعيين الليبي محمود شمام عضواً في المجلس، لم يأت على خلفية علاقته بالأميركيين. كما أن توليه مسؤولية الإشراف على تحرير الترجمة العربية لمجلة «نيوزويك» لسنوات وظهوره المتكرر على شاشات الفضائيات العربية، أدّى دوراً لمصلحة اختياره في مجلس الإدارة.
ليس هذا فحسب، بل تنفي هذه المصادر أن يكون مجلس الإدارة قد عيّن السفير القطري السابق لدى الولايات المتحدة، ولدى الأمم المتحدة حمد الكواري في المجلس، لأنه يمثّل الخط الأميركي داخل مجلس الإدارة. وتعزو هذه المصادر عملية التغيير في تركيبة مجلس الإدارة إلى «الصراع على الجزيرة» بين مسوؤل كبير ورئيس مجلس إدارة المحطة الذي يتمتّع بدعم رفيع المستوى. ولأن المسؤول المذكور الذي كان يشاع سابقاً أنّه «صاحب الجزيرة»، يدرك تماماً قوّة خصمه، فقد اختار أن يخوض المواجهة مع وضّاح خنفر، المقرّب من الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني. وكان خنفر قد عُيّن في تشرين الأول (أكتوبر) 2003 بقرار مباشر من أمير قطر، خلال سفره إلى كوالالمبور في ماليزيا، لحضور مؤتمر منظمة المؤتمر الإسلامي. على متن الطائرة الملكية، قدّم الإعلامي الفلسطيني إلى الأمير مقترحاته في شأن طريقة إدارة «الجزيرة». وعجّل في تعيينه مديراً عاماً، ما قيل عن تردي وضع المحطة حينذاك، بعد تنحية مديرها العام السابق وعضو مجلس إدارتها محمد جاسم العلي بضغط أميركي، وحلول عدنان الشريف في مكانه، والأخير يعدّ إعلامياً جيداً، لكن تنقصه المهارات الإدارية.
ولاحظ المراقبون في الفترة الأخيرة، أنّ الحملة الصحافية التي شُنّت على خنفر في قطر، قادتها صحيفة معروفة، بين مالكيها المسؤول الكبير نفسه الذي دخل في حرب مفتوحة مع رئيس مجلس ادارة «الجزيرة». وتؤكد المصادر نفسها أنّ ما يقال عن أنّ ضغوطاً أميركية، أو توجهات أميركية داخل القناة، كانت وراء التشكيلة الجديدة، يحمل نوعاً من المبالغة، على رغم قدرة الضغط التي تمارسه الحكومة الأميركية لتعديل خطّها التحريري. لذا، ينظر مراقبون بعين الخشية إلى التشكيلة التي يضمّها مجلس إدارة «الجزيرة» الجديد، خوفاً من أن يستجيب للضغوط الأميركية بشكل أكبر، إنما بصورة تدريجيّة. لكنّ كلّ ذلك ليس سوى دليل على نجاح «الجزيرة» ومساهمتها بشكل واسع في تعزيز حرية الرأي، وتقديم تغطية متميزة منحت المشاهد العربي إطلالة على ما يحدث في العالم خارج قنوات البث الأميركي الموّجه.