عمان ــ نوال العلي
في جنوب الأردن، حيث يشتد بأس الأهالي، وتحرق الشمس أجساد البدو النحيلة والقاسية، تغرق قرية الحميمة في صمتها.
بلدة الصخور الداكنة تُعرف أيضاً بـ«الحوراء»، وقد شهدت مولد الدولة العباسية، ولم تغفلها كتب الرحلات القديمة، وربما يمكن الجزم بأنها لم تتغير كثيراً منذ ذلك العصر، بدروبها الترابية الساذجة والضيقة وجمال التفاصيل الحجرية المتروكة للريح والتعرية، ويمكن الوقوف على طرف الأرض التي جرفتها مياه السيول وتأمّل جبال «أم أساور» التي تحيط بالمكان كما يحيط السوار بالمعصم، وجبال أم «شداد» الصعبة وجبال «هبيرة» و«الطوال» التي تشكلت على نحو ساحر من تحجّر الرمال.
يجد زائر الحميمة نفسه مضطراً إلى انتهاج مبدأ «طول البال يطوّل العمر»، فلا داعي للعجلة، وكل الأحداث والأمور تحدث على مهلها.
على ارتفاع 1237 متراً «تنام الحميمة القديمة وآثارها» كما يصفها أهل البلدة، إذ إن أربع حضارات مرت على تلك الأرض وتركت قطعة منها: الأنباط والرومان والبيزنطيون... ثم حلّ بها العرب ولم يتركوها أبداً.
يتحدث رئيس جمعية الحميمة السياحية محمد الشياهين عن أسباب غياب القرية عن المشهد السياحي والاقتصادي في الأردن، ويقول «ليس هناك بنية تحتية تسهّل زيارة الناس لها، وتتطلب الرحلة إليها الكثير من العناء بسبب وعورة الطريق، وخلوّ مركز الزوار السياحي من الخدمات، فهو مزوّد بالكهرباء من طريق الطاقة الشمسية، ويُزوّد أسبوعياً بالمياه بواسطة الصهاريج».
الأردنيون أيضاً نسوا الحميمة تماماً فأصبحت مخطوطاً قديماً لا يقرأه أحد، ولا يكترث المستثمرون لإقامة مشاريع فيها، ولم تعمل السلطات الرسمية على تغيير واقع هذه البلدة البائس، وذلك على رغم وجود العديد من الكنائس والحمامات القديمة والأسواق الشعبية وقاعات الاجتماعات وقاعات الفسيفساء والمسجد الوحيد في منطقة قيعان.
ولا ترد هذه البلدة في برامج زيارات الوفود السياحية للجنوب، حيث البتراء ورم والعقبة، على رغم أنها البلدة التي اتخذها العباسيون مكان تجمّع، ومنها بدأوا بنشر دعوتهم سرّاً.
ويلفت أستاذ التاريخ نضال أبو دية إلى أن العباسيين اختاروا الحميمة لأنها كانت تقع على طرق القوافل التجارية، ما أنجح مسعاهم في تقوية دعائم الدولة العباسية. وفيها ولد أبو العباس عبد الله السفاح (727 ــ 754 م)، وكان والده نزل فيها انقطاعاً عن الدنيا للعبادة، فحلّ ضيفاً عليه أبو هاشم بن محمد ابن الحنفية بن علي بن أبي طالب، وتوفي عنده بعدما نقل إليه أسرار الدعوة السرية لآل البيت.
ويشير مدير السياحة في العقبة محمود الهلالات إلى ضرورة الالتفات إلى الآثار الموجودة في منطقة الحميمة القديمة، التي تشكل معلماً سياحياً يحتاج إلى الاهتمام، ورفدها بمشروعات التنمية السياحية. وعلى رغم أن وزارة السياحة نفّذت مشروعات تطوير الموقع وإدراجه في خريطة المواقع السياحية إلا أن كل هذه المشاريع لا تجدي في مكان بلا مقومات أساسية بدءاً بتوفير الماء والمواصلات والمكان الملائم لإقامة السياح.