عمان ـ نوال العلي
لا يستطيع زائر معرض سبهان آدم أن يفلت من سطوة غامضة تفرضها ثلاثون لوحة اتّخذت من جسد مرسوم بخطوط بسيطة، ومشوّهة، أساساً لها. في معرضه بعنوان «أجساد سرمدية» الذي يقام في غاليري «رؤى» في عمان، تفاجئنا عيون محايدة وقوية تنظر في اتجاهين معاً... وطفولة كامنة في وجوه مشوّهة لذاتٍ تتألم، تحاول تفكيك العالم أو إدراكه بريبة واضحة. يخرج هذا الفنان السوري بلغة خاصة عن الموضوع الإنساني المؤلم. لقد اتسعت رؤيته حتى تجاوزت هيمنة الجمال إلى منطقة القبح في محاولة لكشط القشرة الخارجية للذات وصولاً إلى كثافة بلغت حدّ التوحّد مع الموضوع.
في قريته البعيدة قرب الحدود العراقية ـــــ السورية، قرّر يوماً أن يصبح فناناً تشكيلياً. وعندما غيّر اسمه من آدم محمد حسين سبهان إلى «سبهان آدم»، سأله محافظ الحسكة عن السبب، فأجاب: «لأنني سأصبح فنّاناً عالمياً». كان ذلك في معرضه الأول ولمّا يتجاوز السادسة عشرة. واليوم يعدّ من أهم فناني ما بعد الحداثة في العالم العربي. قادته خطاه إلى بيروت وعمان وجنيف ومدريد ودبي وروما ونيويورك، وباريس التي استضافته في خمسة معارض بين 2005 و2007.
وسبهان آدم (1972) الذي ولد في محافظة الحسكة السورية، يرى أنّ «على الفنان أن يرتكب المصيبة، وعلى الآخرين أن يُشغلوا في تفسير هذه المصيبة». أما عن الشخوص التي يرسمها، فيقول: «أتت من العدم؛ إنها كائنات تسكن دماغي،ربما كان فيها ملامح بشرية، أو شكّلتْ خلطة حيوانية لكنّها في نهاية المطاف صنيعتي أنا، وهي لا تحمل جواباً شافياً عن أصولها ومراحل سيرورتها». ويمضي: «أنا شخصياً أفعل ما أريد لا ما يريده الآخرون، بكامل غضبي وتفرّدي ووقاحتي ونخبويتي. وهذا في اعتقادي أقصر الطرق الى العالمية». ويرى أنّ تجربته أعنف بكثير من تجربة فرانسيس بيكون وايغون شيلي، والتعبيرية الألمانية عامة، «لكنّ ثمّة صلة تربطني بهم».
معرض «أجساد سرمدية» يضمّ مجموعةً من اللوحات الضخمة المنجزة بالإكليريك، وحجوماً ذات فضاءات خرافية قريبة من الكائنات الساحرة المسحورة بفعل لعنة ما. حتى أنّ المتلقي يشعر بأنّ الفنان يرسم الشكل نفسه، وأنه أمام كائنات أثيرية تقفز من جدار إلى جدار، تغيّر رداءها. هذا الرداء كسر دكنة الأسود الذي يخيّم على فضاء اللوحة والجسد والعيون، فاشتغل الكولاج في تشكيل العباءات فاقعة الألوان والمطرزة بالبرق والخرز. الا أنّ الفنان يؤكد عدم وجود تشابه كامل بين وجه وآخر. «لا تكرار» ــــ يقول ــــ فـ «كل لوحة من لوحاتي تكتنف بصمة تميزها عن سواها».
الفنان والناقد أسعد عرابي يرى أنّ أشكال آدم «تتخلّص من سجنها المحلّي لتختنق في زنزانة الوجود العبثي، كأنّ الفضاء الدرامي على رحابته حبيس قمقم من القمع والضجيج الروحي. وقد تقتصر موضوعاته على كائن وحيد مختوم بحبال الشمع المؤسّساتي الأحمر مثلما هي صور كائناته المعلّقة من أقدامها وهواجسه اللونية التي تأخذ في غالب أعماله منحىً كابوسياً مفزعاً». فيما يرى أدونـــــــيس أنّ تجربة آدم «تكشف عن أزمة تمثيل الواقع داخل الثقافة العربية الإسلامية في جوانبها الدينية، مثلما تكشف عن أزمة التعبير عن الإنسان في كل ما تكتبه السيطرة العقلية وما يفلت من محـــــــــدودية العقل».
سعاد حوراني، التي تولّت تنظيم معرض آدم، تصف تجربتها مع الفنّان بأنها الأكثر غرابة. إذ طلب آدم شراء أربعين كيلو تفاح لتزيين القاعة بها قبل افتتاح المعرض، إضافة إلى الكثير من الورد الأحمر. كذلك اشترط أن يحضر معه من الحسكة شراب الورد ليقدمه للزوّار، مبرراً ذلك بقوة لوحاته وصعوبتها... وضرورة أن يرى المتلقي ما يخفّف من توتّره عند دخوله المعرض!
تُبادل أعمال آدم متلقّيها النظرات، وتكمن قوتها في الوجه المحدق والرداء. فلا وجود للجسد في اللوحات، بل يحجبه آدم ماحياً تفاصيله... ويبدو الجسد البشري في أعمال أخرى أشبه بطير أسود اللون، فيما الألوان الفاقعة غطّت فقط الأعضاء التناسلية. ويمكن اختصار «أجساد سرمدية» بأنّه معرض العزلة والعتمة والشعور المتعاظم بالفردية والتوحّد بالذات المرهقة... هذه الذات التي بدت في كل اللوحات المعروضة كمن انكشف لها سرّ، أو كأنها على على اختراق أعماق كل مَن يرمقها ولو بنظرة عابرة...

سبهان آدم ـــ «أجساد سرمدية» غاليري رؤى، عمان: 5560080 9626