أول من أمس، جنّ جنون «العربية». تخلّت القناة السعودية عن مهمّتها في نشر البروباغندا في عدوان بلادها على اليمن وأهله، وتفرّغت لقضية بث مقابلة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله على «تلفزيون لبنان»، نقلاً عن «الإخبارية السورية». تعاملت «العربية» مع هذا الملف كأن لبنان مقاطعة عند المملكة تديره كيفما تشاء، وتقبض على مقوماته البشرية والمؤسساتية.
شاهدنا ذلك طيلة اليوم الذي أثيرت فيه هذه الضجة افتراضياً، بداية من جانب فريق 14 آذار، وبعدها تصريح وزير الإعلام اللبناني رمزي جريج عن نيته حلّ هذه المسألة بين الوزارة والقناة الرسمية بعيداً عن الإعلام، بما أن الأخيرة خرقت سياسة النأي بالنفس التي تنتهجها الحكومة عبر «الاتصال بالإخبارية السورية التابعة للنظام السوري» لغاية خروج اعتذار رسمي من جريج للسفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري، «عما تخللته المقابلة من إساءة الى المملكة». وقال إنّ ذلك لا يعبر عن الإعلام اللبناني الرسمي الذي يمثله تلفزيون لبنان».
وزير الإعلام يعتذر من السفير السعودي على بث مقابلة على القناة الرسمية، فاسحاً في المجال لممارسة وصاية مباشرة على «تلفزيون لبنان» وتقويضه ليناسب أهواء وسياسات المملكة! أما القناة السعودية، فغطت هذه القضية من خلفية استعلائية مرددةً الأسئلة التالية: هل تحوّل الإعلام الرسمي اللبناني الى منبر للإساءة والشتائم بحق السعودية؟ هل سيحاسب الفاعلون؟ هل ستقدم الحكومة اللبنانية اعتذراها من المملكة؟ أفردت «العربية» ساعات طويلة من التغطية والتحليل للوقوف على هذا الحدث «الجلل»، مستضيفةً وجوهاً لبنانية معروفة بعدائها لـ «حزب الله».
اكتشفنا من خلال المداخلات هذه الاستماتة في الدفاع عن السعودية والتفتيش عن تبريرات تجزم بأن ما حدث يقع في خانة «الخطأ» غير المقصود، وغير المعبّر عن اللبنانيين كلهم.

تقرير بثته القناة أضاء على
طائفة طلال المقدسي!

ولهذه الغاية، خرج علينا الصحافي شارل جبور مرتبكاً كأنه أمام استجواب شخصي. قال له المذيع السعودي خالد المدخلي: «هل يمكن أن نصدق تبريرات المسؤولين في وزارة الإعلام بأنهم فوجئوا بهذه المقابلة؟»، ليردفه بتعليق آخر: «كثير من وسائل الإعلام تسبّ وتشتم في السعودية». هنا، استنفر جبور لهذا الشحن الذي يمارسه المذيع وعلّق غاضباً: «يجب أن يوضع حدّ للإساءة مستقبلاً (..) الخطورة تكمن في إطلالة السيد نصر الله على تلفزيون رسمي ليوحي بأنه يتكلم باسم الدولة». بعد هذه الدروس، لم ينس جبور تذكيرنا بأفضال المملكة سياسياً واقتصادياً، وخصوصاً هبة الـ 4 مليارات دولار المخصصة للجيش اللبناني. وعلى «العربية/ الحدث»، أتحفنا الناشط في مركز «أمم للتوثيق والأبحاث» لقمان سليم بأن هذه المقابلة مثلت «انقلاباً «شبيهاً بـ 7 أيار» و»احتل» الحزب من خلاله الشاشة الرسمية!
في هذه التغطية، بدا جلياً تركيز القناة السعودية على التبخيس بالحزب وبما يمثله، وتصوير اللبنانيين بأن جلّهم يدعم المملكة وفئة قليلة تهاجمها متمثلة بـ «حزب الله». هذا ما حاولت تمريره أيضاً لدى عرضها تقريراً أول من أمس بعنوان «لبنانيون يشجبون الإساءة للسعودية في #تلفزيون_مش_لبنان» (إعداد عدنان السوادي). مغالطات عدة تخللت التقرير أبرزها القول بأنها «المرة الأولى التي يقوم فيها التلفزيون بنقل حوار لرئيس حزبي»، وهذا الأمر عار من الصحة تماماً، فالقناة الرسمية تنقل كل المناسبات والمؤتمرات لزعماء «الصف الأول» من دون تمييز.
المغالطة الثانية أنّ التقرير صوّر لنا جانباً من شارع الحمرا وعدداً من الصحف المحلية والإقليمية مع تعليق بأن اللبنانيين مستاؤون مما حصل. ولم يجهد المعدّ نفسه بأن يدير ميكروفونه على أيّ من المارة لاستصراحهم في هذه القضية. اللافت في التقرير أيضاً، الاستخدامات الطائفية وإبراز الخلفيات السياسية «أباً عن جد» كما يقال. فقد سلسل التقرير الخلفية السياسية لوزير الإعلام، وأيضاً اكتشفنا أن المدير العام بالإنابة لـ «تلفزيون لبنان» طلال المقدسي يتبع للطائفة الكاثوليكية! ولم نعلم هنا ما الهدف من هذا النبش في الطائفة والمذهب! ووسط كل هذه التصريحات، برز كلام للسفير السعودي على القناة نفسها يبخس من قيمة «تلفزيون لبنان» الذي يشاهده عدد محدود من اللبنانيين، وأيضاً لصحيفة «الأخبار» ذات «المتابعين القلّة». ويبقى التعليق حاضراً هنا: الوسيلتان تتمتعان بقلة متابعة وتأثير، لكنها أنتجتا كل هذه الضجة؟ فعلاً أمرك غريب يا سعادة السفير!