نجوان درويش
يتميّز «مهرجان القدس للموسيقى» الذي ستقام دورته التاسعة هذا العام بين 19 و27 من الشهر الحالي بانتقائية تحكم اختياراته ذات المستوى الفني العالي، خصوصاً لجهة الأصوات والفرق العالمية التي انفتح عليها في السنوات الثماني الماضية، سواء الفرق الغربية أو تلك الشرقية المهاجرة والمنفية. قبل ثلاث سنوات، افتُتح المهرجان بأمسية موسيقية لسيمون شاهين وفرقته «قنطرة»، وقدّم قبل ذلك مروان عبادو وفرقته عرضاً، قبل أن تمنع سلطات الاحتلال عبادو من الدخول ثانية. كما استضاف المهرجان الموسيقي التونسي وعازف العود أنور براهم، وأيضاً مواطنه لطفي بوشناق في التسعينيات، والتركي قدسي أرغنير... وأحيت فرقة «ليان» الإيرانية (أعضاؤها يقيمون خارج إيران) عرضاً اعتبر من العروض النادرة التي أمكن لإيرانيين تقديمها في فلسطين. وقد وقفت تحت أضواء المهرجان، في السنوات الماضية، أصوات نسائية بارزة من فلسطين: من كاميليا جبران إلى سناء موسى التي برزت أخيراً مع فرقة «هومايون».
وكانت المشاركة الغربية هي الطاغية على المهرجان المقدسي الذي تنظمه «مؤسسة يبوس»، إلى جانب الفرق والأسماء الفلسطينية، فيما بقي الحضور العربي خجولاً ــــ تحت بند رفض التطبيع غالباً ــــ بل راح يتلاشى مع الوقت. وتعددت مضايقات الاحتلال في استقبال الضيوف العرب ممن اختاروا مواجهة واقع الاحتلال وإشكالياته. فمعظم الفنانين العرب رفض المرور عبر مطار الاحتلال، وبعضهم قبل لكنّ الاحتلال يمنعه من الوصوليمثّل «مهرجان القدس»، في كل الأحوال، فرصةً سنويةً للجمهور الفلسطيني للاحتكاك عن كثب بمشهد موسيقي متنوّع. والتظاهرة ليست متخصصة بـ«نوع» معيّن، بل تقدّم كل الأنماط الموسيقية من الجاز والكلاسيك والموسيقى التقليدية حتى الالكترونية، ويجمع بين الشرقي والغربي على مستوى الفرق والأصوات. كما يوفّر إطلالةً على جديد المشهد الموسيقي الفلسطيني. وهذا العام يبدو الاتجاه نفسه: إضافة إلى «ثلاثي جبران» الذي يعرفه الجمهور، و«ثلاثي ميشيل سجراوي» للجاز، على برنامج هذا الصيف فرق فلسطينية شابة ظهرت في السنوات الأخيرة مثل فرقة «مطب» التي ستقدّم عرضها برفقة العازف الألماني مانفريد ليختر، وفرقة «تراب» التي ستقدم عرضها مع عازفين من السويد (نلاحظ، منذ فترة، تكاثر التجارب المختلطة التي تجمع عازفين غربيين مع أقران لهم من فلسطين)، وفرقة «وتر» وفرقة «مقامات» التي ستندمج مع فرقة «أوج» في عرض مشترك خلال المهرجان.
ولعل الحدث العالمي في مهرجان «يبوس»، هو مشاركة نايجل كندي، عازف الكمان البريطاني المشهور الذي سيقدم عرضه في القدس برفقة مجموعته الخماسية من بولندا. وعلى البرنامج فرقة «ليدي سميث بلاك مامبوزو» من جنوب أفريقيا، وعازف المزمار والقربة كارلوس نونس من إسبانيا، من دون أن ننسى عازف الغيتار الفرنسي كلود بارتيلمي.
«مهرجان القدس» الذي تنظمه مؤسسة «يبوس» هذا العام بالتعاون مع القنصلية الفرنسية في القدس، وبدعم من قنصليات ومؤسسات غربية أخرى، حافظ على استمراريته وعلى مستوى جيد قياساً بالمهرجانات الموسيقية الفلسطينية الأخرى. لكنّ إحدى مشاكله هي نخبوية جمهوره في القدس! وليس المقصود بـ «النخبوية» اقتصار الحضور على جمهور يحبّ موسيقى جادة أو طليعية أو صعبة مثلاً، بل طغيان حضور المشاهدين الأجانب! فالقسم الأبرز من حضور المهرجان هو من المؤسسات الأجنبية العاملة في القدس، والجاليات الأجنبية، والمؤسسات الراعية والشريكة للمهرجان. في حين تنخفض كثيراً نسبة الجمهور الفلسطيني في المهرجان الذي تنفد بطاقاته مبكراً. بل إن بعض الحفلات لا تتوافر بطاقاتها إلا للمدعوين! صحيح أنّ الانفتاح سمة الموسيقى، وأن نسج علاقة جيدة مع المموّلين والداعمين أمر أساسي لتحصيل كلفة المهرجان... لكن هل ننسى أن الهدف الأساسي هو خلق فضاء موسيقي جاد للجمهور الفلسطيني المحاصر؟ من دون هذا الجمهور لا معنى للمهرجان من أساسه... أما جمهور «الخواجات» حسب التعبير المصري الأثير، فلا يعانون من أي حصار، والثقافة الموسيقية بمتناولهم في كل المهرجانات الأوروبية...