القاهرة – محمد عبد الرحمن
«الوضع عندنا باق على حاله، ومن لا يعجبه... في ستين داهية!» : إنّه شعار رجال الأعمال الذين يُحكمون قبضتهم على الفضائيات المصرية. المحطات كثيرة وانتشارها مثير للشفقة، والإعلاميون يهجرون الساحة الوطنية إلى أحضان الخليج. متى تستعيد القاهرة هيبتها الإعلامية، على الساحة العربية؟
يوم أعلن نجيب ساويرس أنّ فضائية OTV ستكون محلية، أعرب كثيرون عن استيائهم بعدما كانوا يعلّقون آمالاً كبيرة على دخول مصر سوق الفضائيات العربية. إلا أنّ المحطة التي اصطفَت الجرأة منذ انطلاقتها قبل ستة أشهر، لم تنجح في جذب المشاهد المحلي، ما أدى إلى طرح السؤال مجدداً: لماذا لم ينجح الإعلام المصري حتى اليوم في احتلال مكانة بارزة في المشهد الفضائي العربي؟
على رغم أنّ معظم القنوات العربية تمرّ من مصر حيث قمر «النايل سات»، في طريقها إلى الفضاء، وفيما شهدت الفترة الأخيرة فورة إطلاق قنوات جديدة مثل «أو تي في»، «مودرن تي في» و«الحياة المصرية» قريباً، لا يزال الإعلام الخاص هنا يعاني من عدم وضوح في الرؤية لأسباب عدة. فهو لم يستطع خلع عباءة المحلية (بخلاف الإعلام اللبناني مثلاً الذي نجح في مغازلة جمهور الخليج). أضف إلى ذلك أن معظم الفضائيات المصرية لا تملك إدارة جيدة، إذ خرج معظم المديرين من رحم التلفزيون الرسمي الذي ودّع كل ما له علاقة بالتطور منذ عشرين عاماً. أما السبب الثالث، فيعود إلى أزمة التمويل: إذ فيما يمتلك رجال أعمال بارزون هذه المحطات، فإنّهم في الواقع دخلوا عالم الإعلام بحثاً عن السلطة والدعاية، وليس الاستثمار الفعلي. هذا ما يبدو واضحاً من نجاح قناتي «ميلودي» و«مزيكا» مثلاً، نظراً لخبرة جمال مروان ومحسن جابر في عالم الميديا، فيما تخصّص «المحور» ساعات من بثها لتغطية نشاطات رئيسها حسن راتب، ومصانع الإسمنت التي يملكها في سيناء، والجامعة التي أسّسها هناك. أما «دريم» فتنهمك في تسليط الضوء على مشاريع مؤسسها أحمد بهجت الذي سحب إعلاناته من كل القنوات الأخرى، وكثّفها على شاشتي «دريم». أضف إلى كل ما سبق مشكلة أساسية هي الرقابة غير المباشرة التي أبعدت محمد حسنين هيكل وحمدي قنديل عن المحطات المحلية، لتفوز «الجزيرة» بالأول و«دبي» بالثاني.
سوء الإدارة قد يبدو جلياً عندما نتحدث عن الأزمات المتتالية التي تشهدها الفضائيات المصرية كل فترة. قناة «دريم» مثلاً تعيش تراجعاً ملحوظاً منذ غادرتها هالة سرحان قبل ثلاث سنوات.
كانت الإعلامية المصرية قد رسمت إطاراً مميزاً للمحطة، وخصوصاً في ما يتعلق بعرض الكليبات الغنائية قبيل ظهور «ميلودي» و«مزيكا»، إضافةً إلى تقديم توليفة من البرامج الحوارية التي تنتهج الجرأة، وتثير الجدل في الشارع. ما حقّق لـ«دريم» الانتشار الكافي، حتى باتت المحطة المعتمدة في معظم مقاهي القاهرة. لكن «دريم» فقدت خصوصيتها بعد خروج سرحان، وعانت من انشقاقات لا حصر لها. هكذا غادر أحمد شوبير، أحد أبرز الأسماء في الإعلام الرياضي، القناة أخيراً، إثر خلافات مع رئيس مجلس الإدارة أسامة عز الدين. حمل شوبير ملفاته وخرج غاضباً، في وقت كانت فيه «دريم 1» و«دريم 2» تعوّلان بشكل أساسي على برامجه، إضافةً إلى برنامج «العاشرة مساءً» لمنى الشاذلي. وهذه الأخيرة ظلّت فترةً طويلة مذيعة القناة المدللة، حتى جاءها خبر إطلاق برنامج «صباح الخير يا دريم» مع زميلتها دينا عبد الرحمن. ما يهدّد بسحب اللقب منها، بسبب تقاطع البرنامجين في نقاط كثيرة.
وفيما يحاول مساعدي أحمد شوبير ملء الفراغ، دخلوا في صراع علني مع الإعلامي الشهير الذي انتقل إلى برنامج «البيت بيتك»، محققاً انفرادات عدة لمصلحة التلفزيون المصري. ما دفع بـ«دريم» إلى بث تصريح لأحد اللاعبين يهاجم فيه شوبير لأنه قدم خبراً ساخناً قبل الموعد المتفق عليه. وبعيداً من الرياضة، يتردد أن وائل الإبراشي، صاحب برنامج «الحقيقة»، قد ينتقل بدوره إلى محطة «الساعة» التي يديرها وليد الحسيني، رئيس مجلس إدارة مجلة «الكفاح العربي». وما قد يعجّل في قرار الإبراشي هو خبر تقديم الكاتب والصحافي أحمد المسلماني لبرنامج جديد على «دريم»، يقترب في مضمونه من «الحقيقة».
ومن «دريم» إلى «المحور». تشهد ثاني القنوات المصرية الخاصة، استقراراً أقرب إلى الجمود، ففي كل فترة تحاول إطلاق مجموعة برامج جديدة وتطوير البرامج القابلة للاستمرار، لكن سرعان ما يخفت بريقها، وتعود الأمور إلى ما كانت عليه، بسبب قلة العائدات الإعلانية. وكما هي الحال في «دريم»، يبقى برنامج «تسعين دقيقة» لمعتز الدمرداش ومي الشربيني النافذة الأهم لـ«المحور». علماً بأن المحطتين لم تدخلا حلبة السباق الدرامي سواء في السينما أو التلفزيون، ولا تحرصان على عرض أي مسلسل حصري في رمضان، إلا في ما ندر.
يبقى أخيراً OTV. قد تكفي الإشارة إلى أن كليبَي «مشيت ورا احساسي» لروبي و«شخبط شخابيط» لنانسي عجرم (من إنتاج نجيب ساويرس) تم عرضهما حصرياً على قناتي «مزيكا» و«زووم»، في إطار التعاون المشترك بين ساويرس ومحسن جابر. وهذا يدلّ على أن الأول أدرك أن عرض الكليبات على OTV فقط لن يضمن لها مشاهدة جيدة. ويتردد بقوة أن إدارة المحطة ستعمل على خفض المصاريف، بسبب تراجع الإعلانات، في ظل انصراف المشاهد عن القناة التي استهدفت منذ البداية الطبقة المخملية، عبر عرض برامج ترفيهية عربية وأجنبية متاحة على قنوات أخرى. لكن الجمهور الثري لا يصنع وحده نجاح قناة، حتى لو قدمت أفلاماً أجنبية من دون حذف المشاهد الجريئة.
بعد كل ذلك، يبدو أن الإعلام المصري سيرفع شعار: «ستبقى الحال على ما هي عليه، وما على المنزعج سوى اللجوء إلى القنوات العربية». ويعزو بعض المتابعين تراجع الإعلام المصري إلى افتقاده نجوماً بارزين: حمدي قنديل على «دبي»، هالة سرحان على «روتانا» (قبل أن تختفي)، حسين فهمي على «الشاشة»، فيما بقي محمود سعد في «البيت بيتك»، إضافةً إلى ارتباطه مع «أم بي سي» في برنامج «اليوم السابع».