باسم الحكيم
إطلالتها تذكّر بالعصر الذهبي لـ«تلفزيون لبنان» الـذي أدت دوراً مفصليــاً في تغييـر وجهـة برامجـه وتحديثها. لكنّ ساعة الاعتزال لم تدقّ، خلافاً لما صرّحت به في الآونة الأخيرة. بعـد 35 عامــاً على بدء مشوارهــا، تطلّ باللهجة العامية للمرة الأولى، لتتحدث عن شؤون المرأة العربية وشجونها. في الأيام القليلة المقبلة، موعدكم مجدّداً مع... سعاد قاروط العشّي
لا يمكن اختصار رحلة خمسة وثلاثين عاماً، قضتها سعاد قاروط العشّي في العمل الإعلامي، في جلسة واحدة أو حوار مطوّل. بدأت مشوارها الإذاعي والتلفزيوني عبر أثير إذاعة لبنان، ثم عايشت أبرز محطات «تلفزيون لبنان» خلال ثلاثين عاماً، حتّى إقفاله الموقت قبل أربع سنوات. بعدها، انتقلت إلى nbn حيث قدّمت برنامج «التاريخ إن حكى» على امتداد السنوات الأربع الماضية، معلنةً أنها ستختتم به مشوارها الإعلامي... لكنّ القدر خبأ لها برنامجاً جديداً هو «للمرأة الكلام» الذي يبدأ عرضه بعد أيام على الشاشة نفسها.
كانت سعاد العشي تحلم بأن يستمرّ «التاريخ إن حكى» مدة أطول، وأن تستقبل فيه وجوهاً سياسية وفنية وثقافية واجتماعية من العالم العربي، لولا ضيق ذات اليد في التلفزيون، وخوف الإدارة من تقاطعه مع برامج حوارية أخرى، تعرضها شاشات محليّة. وتقول: «وضعتُ في هذا البرنامج عُصارة تجربة غنيّة في تقديم الأخبار والبرامج السياسية والحوارات، وذلك لتسليط الضوء على محطات من تاريخ لبنان ورجالاته. وقد راودني مراراً شعور لم أخفه، بأن هذا البرنامج قد يكون تتويجاً لمسيرتي، وحسن ختام حياتي المهنية أو الفصل الأخير منها»...
حين تتحدث «الإعلامية الأولى» عن حياتها المهنية ـــــ أعطتها اللقب السيدة منى الهراوي ـــــ تتذّكر بحماسة كيف ابتسم لها الحظ في عام 1973. بدأت مسيرتها مذيعة للأخبار وأقوال الصحف والبثّ المباشر في الإذاعة اللبنانيّة. ثم توجهت، بعد أربعة أشهر فقط، إلى التلفزيون في عصره الذهبي. وهناك، باشرت بتقديم برنامج «تاريخ السينما المصريّة»، واستضافت فيه رواد الصناعة السينمائية المصرية من كتاب ومخرجين ومنتجين وفنانين.
ارتبط اسم العشي بنجاحات التلفزيون: مع الكاتب مروان نجار جمعت الدراما مع الحوار داخل الاستوديو للمرّة الأولى في برنامج «حكاية كل بيت». وطرحت مشكلات اجتماعية كانت غائبة عن الشاشة لشدة جرأتها، وتقول: «كنا نعالجها من دون تردد، ونستضيف اختصاصيّاً نناقشه في الموضوع... آنذاك، كانت البرامج الاجتماعية تقتصر على حلقات «أبو ملحم» الذي يكثر فيه الوعظ المباشر». وكما في البرامج الاجتماعية، كذلك في الألعاب والمسابقات، «كانت برامج المنوّعات تقدّم بشكل هزلي وركيك، وتطرح أسئلة تافهة وسخيفة لمجرد التسلية والربح. لذا سعيت مع مروان نجار إلى تحويلها إلى مادة تثقيفيّة ورصينة بالدرجة الأولى. ودرج تقليدها في ما بعد في برامج مثل «المميزون» وغيره».
لكن ألم تفتح تجربة البرامج الاجتماعية المخصصة للدراما، شهيتها للمشاركة في عمل تمثيلي؟ تعترف بأنها تلقت عروضاً عدة ليس من لبنان فحسب، بل من مصر أيضاً، «إلاّ أن انتمائي إلى عائلة محافظة، واقتناعي بخطّ الأخبار والبرامج السياسيّة، جعلاني أبتعد عن هذا الجو، وإن كانت مسيرتي تضمنت برامج المنوعات و«استوديو الفن» وسواها».
بعيداً من مروان نجار، تعتزّ سعاد قاروط العشي ببرنامج «مباشر على الهواء» على «تلفزيون لبنان» حيث «استضفتُ زوجات الرؤساء اللبنانيين وشخصيات نسائيّة بارزة. ومن ضيوفي منى الهراوي، وخولة أرسلان، وبهية الحريري، ورباب الصدر». أما في إطار البرامج السياسية، فتتحدث عن «صالون الخميس» المباشر الذي استقبل وزراء وسياسيين في موقع القرار، «وكنا خلال ساعتين نقارع الوزير ونحمّله مسؤولية أخطائه وتقصيره وسياسته». وتشير إلى «تمنع بعض الوزراء عن المشاركة فيه، فكنتُ أمارس عليهم سحري لإقناعهم».
لكن العشي لم تغب عن الشاشة الصغيرة طوال فترة عملها في «تلفزيون لبنان»: «كان بعض الإعلاميين يغيبون عن البرامج، فللإدارة حكمتها في ذلك. وقد تكون محقّة أو مجحفة، لكنها إذا نجحت في إبعادي عن البرامج الحوارية، لم تتمكن من تغييبي عن نشرات الأخبار»... إلا أن الحديث عن الظلم الذي يطاول بعض الإعلاميين لا يجعلها تتنكر لفضل الـ TL. وتوضح: «كان منبراً لي، وقد أسهمت بإنجاحه، وأخلصت له طوال ثلاثين عاماً، علماً بأني رفضت جميع العروض التي تلقيتها من الخارج، ورأيتُ أن التخلي عن هذه المؤسسة في مرضها هو نكران للجميل».
الحماسة اللافتة التي تتحدث بها عن تاريخها، تخفت ثم تغيب كليّاً لتحلّ محلّها غصّة حينما تتحدث عن وضع التلفزيون الرسمي اليوم، وتقول: «أنا بعيدة عنه اليوم، ولا أعرف شيئاً عمّا يدور في الكواليس. منذ سنوات طويلة، يقولون إن هناك سياسة تطوير وحلة جديدة تهدف إلى بعث الحياة مجدداً في الشاشة اللبنانية. لكن، ما دام التلفزيون يخضع لمزاج السياسيين، سيظلّ في القعر. ومن الإجحاف أن تصل هذه الشاشة إلى ما هي عليه اليوم، بعدما شكّلت ذاكرة المواطن اللبناني، وصدّرت الكفاءات والإبداعات إلى التلفزيونات العربيّة، لمجرد حسابات شخصية بين السياسيين».
بعد ابتعادها عن نشرات الأخبار منذ أكثر من أربع سنوات، تصف إطلالتها المقبلة على شاشة nbn بالصدمة الإيجابيّة. «بعد برنامج «التاريخ إن حكى»، أشعر بأنني لن أقدّم جديداً إذا تناولت السياسة أيضاً في برنامجي المقبل، فأكتفي حينها باستضافة شخصين في الاستوديو، وأفتح الهواء مع دولة خارجية. أضف إلى ذلك أن الوضع السياسي المتوتر جداً، سيجبرك على الدخول بزواريب لا تكون مقتنعاً بها في كثير من الأحيان، لذا آثرت الابتعاد عن هذه الأجواء، وتناول مواضيع تعنى بالمرأة العربية وهمومها».