غضبنا كبير!
علاء حليحل *

في اللقاء الإذاعي الذي جمعني بأيمن عودة، مُركز «الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة» (تنظيم حزبي تابع للحزب الشيوعي الإسرائيلي)، أمس الإثنين، في إذاعة «الشمس» التي تبث من الناصرة، قال عودة بوضوح: «محمود درويش علاقته مع الحزب (الشيوعي) والجبهة علاقة خاصة. وهو ابن هذين الحزبين، ولا يلبي دعوات تنظيمات أخرى». بمعنى آخر، يعتبر أصدقاؤنا في «الجبهة» أن درويش لهم ـــ أي ملك مئة ألف مقترع للكنيست في «الداخل». إذا كان الأمر كذلك، فليتوقفوا عندها عن ترديد أهزوجة «شاعر فلسطين» و«رمز فلسطين». هذا هو سياق الهجوم الكاسح على منتقدي زيارة درويش، عندنا، ومن هذا المنظار يُقرأ.
إن شاعرنا الكبير رمز من رموز الشعب الفلسطيني، ولا يضع نفسه في سياقات كهذه. وأنا متأكد من أنّ درويش لا يتعامل مع الداخل الفلسطيني بهذا المنظار. ومن المؤسف أن نقرأ أقوالاً وردت على لسان درويش، في صحيفة «المستقبل» اللبنانية، أمس الأول، مفادها أنّ المعترضين على زيارته هم «صبية وأشباه مثقفين»! «الصبية» و«أشباه المثقفين» هم من أكثر المعجبين بشعره وتراثه ومشروعه. لا أعتقد أنّ من أراد إسماع صوته المغاير، والتعبير عن قناعاته، وتوجيه انتقادات إلى أمسية درويش الحيفاويّة، عليه أن يُواجَه بمثل هذه التصريحات. هذا تسرُّع ليس في مكانه.
يُمكنني أن أسهب في محبتي وتقديري الكبيرين لمشروع درويش الشعري الضخم، لكنني لن أفعل كي لا يُقال إنني «أضرب كفاً وأعدّل قبعة» كما يقول المقدسيون، أي أنني أتزلف وأنتقد في الوقت نفسه. إذا صحّ أنّ درويش هو صاحب هذا الكلام الذي نسب إليه في الجريدة المذكورة، فسيكون الشاعر قد أخطأ في تعامله مع النقد الذي وُجّه للزيارة، وأرجو، والحالة تلك، أن يعيد النظر في ما قاله بحق جزء من قُرائه. أنا أعتقد أنّ لكل فلسطيني الحق في أن يسخر، أو ينتقد، أو يواجه كُلّ شيء، أو أن يعارض أي فلسطيني آخر، كائناً من كان. لذلك لا نفهم الأجواء الستالينية التي ووجهنا به، نحن المعترضين على زيارة درويش في هذا الظرف بالذات!
أنا غاضب على درويش. هو غضب الفلسطيني على الفلسطيني، غضب القارئ على شاعره. ألا نملك أيّ حيّز للنقد والاعتراض بعضنا على البعض الآخر؟ وحتى لو بدا موقفنا غير مفهوم في نظر كثيرين، وحتى لو كنّا أقلّية في موقفنا، أنُستباح عندها باسم «حق التواصل الثقافي» (بين الشاعر وجماهير الداخل)؟ في حين أن الثقافة كلّها مبنية على الحق في النقد والاختلاف، وعلى الجدل والنقاش والمغايرة...

* كاتب فلسطيني من حيفا