سعداء بأن نكون ضيوفك
  • أنطوان شلحت *

  • لن يكون محمود درويش، في أمسيته الشعرية التي ستشهدها حيفا في 15 تموز (يوليو) الجاري، وتشارك مجلتنا «مشارف» في تنظيمها، في منزلة «عائد إلى حيفا» حتى على محمل الاستعارة... لأنه من أهل الدار الأصيلين. وبما أن زماننا الراهن ضنين بلحظات الفرح الحقــــــــــيقيّة من قبيل تلك التي يتيحها هذا اللقاء، فليسعدنا النطق، إن لم تسعد الحال، بالقول إننا فرحون حقاً بأن نكون نحن ضيوفه في المدينة التي لم تغادره قطّ. هذه المدينة التي أعطــــــــاها من إبداعه ما تستحق، كما أعطى الوطن كله، فكان طبيعياً أن يهبّ أبناؤه الأبرار ليردّوا له بعض هذا العطاء.
    وليس في وسع لـــــــزوميات «تفاصيل عابرة» أن تحجب واقع أن أمسية حيفا هي من المستحقــــــــات التي طال انتظار جمهور درويش لها، ولم تكن يوماً ولن تكون أبداً رهنًا بـ«ظــــــروف مواتية» أو «توقيت مناسب»، فما من إذن يحتاج إليه الشاعر ليحلّق في فضاء الشعر والمكان... إلا جمالية إرادته الشخصية واستعداده الذي يخصّه وحده لأن يقرأ نتاجه أو لا يقرأه في أية بقعة متاحة من بقاع الوطن الفلسطينيّ.
    لذا يبدو غريباً أن نقرأ أقلاماً صديقة، تعيب على درويش أن يقرأ شعره في حيفا. لا نريد أن ننسب إلى أخينا بيار أبي صعب، وصديقنا الذي نكنّ له الكثير من الحبّ والتقدير مواقف عفا عليها الزمن... وتمثّل، في العمق، افتراءً على الحقيقة، وتطفّلاً على رهبة الحدث نفسه! فقط نتوقّف عند عبارة لا نعرف مصدرها، استدرجته الى قراءة خاطئة للحدث: «تداعيات توقيت هذه الأمسية على التيار الوطني في الداخل». هذا التيار الوطني يربأ بنفسه أن ينزلق في هذا المنحدر، لعلمه أنه بذلك لا يجني سوى على نفسه ويخـــــــــــون مواقفه وجمهوره.
    لماذا يتمّ تحذير درويش من المشاركة في أمسية حيفا؟ بسبب «الخشية» من اختراق مقاطعة «الدولة السبارطية» أوّلاً ودائماً. من الذي سيحضر هذه الأمسية؟ الجماهير الفلسطينية الباقية في الوطن! ما هو الذنب الذي اقترفته تلك الجماهير، لكي يحاذر الشاعر المجيء إليها؟ «ذنب» البقاء في الوطن، أو «ذنب» الألم والدموع عند لقاء أحبّة غابوا وظلّوا ملء السمع والبصر. لماذا يصرّ بعض الإخوة العرب، ولا نعتبر بيار منهم، على تقنين التواصل الثقافيّ، وعلى تحميله أكثر مما يحتمل وعلى التنائي عن تسميته باسمه الحقيقيّ؟ لأنهم ما انفكّوا يستهلكون بعصبية قبلية حطاماً من الذرائع التي لا تمتّ إلى الحقيقة بصلة، ومن الشعارات الفارغة والأكاذيب الباطلة التي تزيّن طريق الهـروب من تحليل مواضع الذات (أو الذوات) والأطر المكانية للمواضيع، لا بقصد تفسير المواصفات فقط، وإنما أيضاً بقصد استثمار هذه المواصفات لإنتاج معنى ومراكمة معــــــرفة خاصة.
    إنه الهراء السياسي نفسه منذ قديم الزمان قبل أن تضيع فلسطين، غير أنّ الالتجاء إليه يجري بعدما أصبح في عداد العوامل التي أدّت إلى هذا الضياع المستمر. وسواء تعلّق الأمر بنسقنا الثقافيّ في الداخل، أو بالنسق الثقافي الفلسطينيّ أو العربيّ، فإنّ ظهور محمود درويش في حيفا ـــ في أي وقت كان ـــ يبقى هو الحدث، بل يبقى حدثاً تاريخياً بكل المقاييس. هل هو تاريخيّ فقط؟

    * عضو هيئة تحرير مجلة «مشارف» الفصلية الثقافية التي تصدر في حيفا