بيسان طي
كلا، ليست مزحة! بيروت ستكون «عاصمة عالمية للكتاب» في عام 2009. النبأ السعيد زفّه أمس وزير الثقافة طارق متري إلى الرأي العام، خلال مؤتمر صحافي عقده في السرايا الكبيرة، شارك فيه رئيس بلدية بيروت عبد المنعم العريس، ونقيب الصحافة محمد البعلبكي، ونقيب المحررين ملحم كرم، وحضره مهتمون بشؤون الكتاب ومثقفون ومنظمو معارض وممثلو جمعيات أهلية.
المؤتمر الذي أراده الوزير متري مناسبةً للقاء والنقاش، تحوّل إلى احتفال بإعلان بيروت عاصمة للكتاب، وذلك لسنة كاملة ابتداء من 22 نيسان (أبريل) 2009. فمنظمة الأونيسكو وقع اختيارها على العاصمة اللبنانية، غير مهمّ كيف ولماذا... اليوم نحتفل، وغداً نحاول أن ننظر بجدية إلى الملف. اليوم خمر، وغداً أمر! هكذا استعيدت أمجاد بيروت الغابرة، مقر الإشعاع الحضاري في المنطقة، والمركز الذي منه انطلق الكتاب إلى العالم العربي... كما انطلقت الأبجدية إلى العالم على سفن الفينيقيين من لبنان. (الفينيقيون إضافة من التحريرعبد المنعم العريس قال إنّ وجه بيروت الحقيقي هو وجه المدينة التي تصدّر الكتاب، يحمله أبناؤها لينشروا العلم والثقافة في أنحاء العالم. وأضاف: «وجه بيروت، وإن بدا اليوم أنه احتجب خلف قناع مشوه لصورتها، معوِّق لمسيرتها، ومدمر لوجودها، غير أن هذا القناع ساقط لا محالة» (احزروا من يختبئ وراء القناع؟). وقال إنّ البلدية تخطط لإقامة 12 مكتبة عامة في بيروت، كما أصدرت كتاب «بيروت والسلطان» ـــ بعشرين مليون ليرة ـــ عن موجودات لبنان في قصر يلدز في اسطنبول...
وفهمنا من الوزير متري أن اختيار بيروت عاصمة للكتاب يأتي ضمن سياسة شاملة هدفها ألا «تستسلم المدينة للمخاوف»، فتنطفئ فيها «حوافز العمل الخلّاق». كما يأتي الاختيار اعترافاً ببيروت «فسحةَ حوار وتسامح تحتضن التنوع الثقافي». وأضاف أنّ 2009 سيكون عام الكتاب والثقافة، وأن بلدية بيروت ستكون الشريك الأول لوزارة الثقافة في إحيائه. كما لفت إلى أن 2009 سيكون أيضاً عام الفرنكوفونية في لبنان. إذ ستقام نشاطات ثقافية ورياضية «وفي هذا العام أيضاً نكون قد أنهينا النهوض بالمكتبة الوطنية». ولفت إلى أنّ عدداً من أصحاب المكتبات الخاصة تبرعوا بها للمكتبة الوطنية التي تلقت أخيراً مكتبة الأديبة السورية سلمى الحفّار الكزبري. وهناك لجنة تشكّلت من مود أسطفان وألكسندر نجار وآخرين، أعدت ملفاً لمنظمة الأونيسكو، مقترحة أن يكون موضوع النشاط «الكتاب والتنوع»... على أن «تتوزع هذه النشاطات على المحاور التالية : القيم (أي الانفتاح وحرية الإبداع والتضامن)، والحقوق (حقوق الإنسان، حرية التعبير...)، والبيئة والتراث والعولمة، والقراءة للجميع».
وقبل أن نسترسل في الحلم، أعادنا الوزير إلى فجاجة الواقع، فالعين بصيرة واليد قصيرة: «الطموحات كبيرة، لكن الإمكانات قليلة». ودعا أصحاب الرأي والمعنيين بالكتاب إلى المشاركة في تقديم اقتراحات لإحياء عام الكتاب في لبنان قبل تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. وطالب بأن تتوافر في الاقتراحات معايير تضمن التنوّع في المواضيع واللغات... وأن ترفق الاقتراحات بسبل تمويلها! إذ إن الوزارة لن تتمكن من التكفل بكل النشاطات. وكشف الوزير أنّه لا يهتم بـ«التوازن الطائفي أو السياسي في اللجنة»، المهمّ أن يتمثل كل أهل صناعة الكتاب. ونفى أن «يكون وضع الكتاب مزرياً»، رغم أن «بيروت فقدت جزءاً من ميزتها التفاضلية» في كونها عاصمة عربيّة للكتاب، لافتاً إلى أن دور النشر بالمئات تصدر عدداً كبيراً من العناوين. وقال إن من أولويات وزارة الثقافة افتتاح مكتبات عامة في المدن والأرياف. وكانت كلمات البعلبكي وكرم ونجار واسطفان ترحيباً باختيار بيروت عاصمة للكتاب. كما أعلن عمر فاضل، رئيس «النادي الثقافي العربي»، موعد الدورة المقبلة من «معرض بيروت العربي الدولي للكتاب» (13 ــــ 27 كانون الأول/ ديسمبر 2007).
لا بد من تهنئة الوزير متري، وشكره على الاهتمام بالشأن الثقافي بين مهمتين في السياسة الخارجية. لكن غداً تذهب سكرة الاحتفال، وتأتي فَكرة (بفتح الفاء) الأسئلة: كيف نعيد للكتاب مكانته في لبنان، وللحياة الثقافية زخمها في ظل الإهمال الرسمي؟ وكيف تُعالج أزمة الانخفاض الحاد في نسبة القراءة والمطالعة؟ ما هي الاهتمامات الفعلية، والإجراءات العملية التي أولتها الحكومات المتعاقبة لإنعاش الحياة الثقافيّة، وتشجيع القراءة، في التلفزيون الوطني والمناهج المدرسية والمؤسسات الأهليّة وهيئات المجتمع المدني...؟ غير مهمّ... اليوم خمر، وغداً أمر!!