بيار أبي صعب
ليس مفاجئاً أن يكتب أدونيس عن لبنان أنّه «لا يمكن أن يبنى سياسياً تحت راية الطوائف». فالشاعر الرؤيوي، والمفكّر النقدي، هو أحد آباء «مشروع الحداثة» الذي صنع مجد بيروت، وجعلها مختبراً عربياً فريداً في النصف الثاني من القرن الماضي. مشروع بلغ ذروته منتصف السبعينات، قبل أن ينفجر البركان، ويجرف معه، في لبنان والمنطقة، كل أوهام التحديث والتقدم والديموقراطيّة...
لكن المفاجئ أن «مهيار الدمشقي» ما زال يمتلك أوهاماً حول الدور الذي يمكن أن يلعبه (حالياً على الأقل) الطرف الآخر، الغربي، وفرنسا (الرسميّة) تحديداً، في قيام المجتمع المدني في العالم العربي. في مقالة تصدّرت الصفحة الأولى من جريدة «النهار» البيروتيّة، كتب صاحب «الثابت والمتحوّل» السبت الماضي يعاتب القيمين على السياسة الفرنسية، كونهم لم يدعوا إلى «لقاء الثقة والحوار» بين الأطراف اللبنانية، سوى ممثلي الطوائف، متجاهلين أو متناسين «ممثلي العمل الثقافي ــــ المدني»، العاملين «على الانتقال إلى بنية مدنيّة، تأسيساً لديموقراطيّة الإنسان ــــ حقوقاً وحريات».
هل يخيّل إلى أدونيس أن الحكومة الفرنسية، مشغولة ببناء «دولة القانون» في لبنان؟ وفي دعم حفنة صغيرة من الخارجين على شريعة الطوائف، ومنطقها الأخطبوطي الذي يصادر الأفراد، ويمسخ الدولة، ويقتل في المهد كل محاولات التغيير؟ هل ينتظر الشاعر من الديموقراطيات الغربية التي تواطأت مع العدوان الإسرائيلي على لبنان، أن تساعدنا على بناء مجتمعاتنا الحديثة؟
أهمّ الخبراء الاستراتيجيين في العالم الحرّ، ليس عندهم ما يهدونه اليوم إلى لبنان سوى فتنة مذهبيّة تغرق المقاومة في مياهها الآسنة! «وجهك يا غربُ مات» كتب أدونيس ذات يوم. ونحن نعي أن التراث الفكري والحضاري الفرنسي في كفة، والمصالح السياسية والاستراتيجية في كفة أخرى... حتى إثبات العكس.