محمد خير
ما زال علي منصور شاباً. ومع ذلك، يستعير الشاعر المصري في كتابه الجديد، من الشيوخ حكمتهم، ويجرّب أحكامهم النهائية، ويعتصم بصمتهم. ديوان «الشيخ» («دار شرقيات» ــــ القاهرة) هو الثامن لهذا الشاعر الذي يبدو حريصاً على مشروعه، متمسكاً بكلمته رغم ما يبدو بين سطور قصائده من بذور يأس سرعان ما يتم انتزاعها من أرض القصيدة. ومع أنّ دواوينه بلغت ثمانية، فإنّ القارئ لا يشعر بأنّ منصور غزير الإنتاج، بل هناك دائماً ذلك الشعور الذي يدفع القارئ إلى طلب المزيد، ويتمنى على الشاعر ألا يكون مختصراً إلى هذا الحد.
على عكس معظم شعراء جيله من النثريين، لم ينتم منصور يوماً إلى أي طائفة يسارية فكراً أو سياسةً، حتى اتُّهم أحياناً باليمينية، بسبب ذلك النفَس الروحاني الذي يطل من قصائده. وفي ديوانه «الشيخ»، لا يبدو أنّه تغيّر كثيراً، بل ما زال يتمسّك بلغة يبالغ أحياناً في «فصاحتها»، ويستند إلى إيمان عميق راسخ. فهو في عناوين قصائده، كما في أبياتها، يستلهم النص القرآني أحياناً... ويضمنه في النص أحياناً أخرى. كأنه يحاول أن يثبت لنفسه أنّ الشعر جزء من الإيمان. يقول في قصيدة «المنور بيقينه»: «غرس الفسيلة وهو يدعو/ رب اجعل هذا عملاً صالحاً/ ألقى التحية على الجيران/ وابتسامته تشهد/ رب اجعل هذا عملاً صالحاً (...) أنهى قصيدته، والتقط الأنفاس/ وتمتم: رب اجعل هذا عملاً صالحاً».
هذه الطمأنينة لا تمنع منصور من أن يعترف: «أحياناً/ لا أكاد أصدق/ أننا أناس طيبون/ ربما جثث طيبة»! كأنه يبرّر الملاحظة السابقة، فينتقل من عالم «الروح» إلى حياة يومية جداً، وإلى واقع يحكمه اليأس: «حزين جداً هذا الرجل/ أمام التلفاز/ حزين... وساكت (كانوا يدلون بأصواتهم، في الصناديق، وهو يتفرج عليهم)... ود لو جرب شعوراً مثل هذا قبل أن يموت! كأنها مزهريات، هذه الصناديق! كأنها حدائق!».
يمنح علي منصور القارئ نفحات شعرية تتردد بين الصوت الخافت والكثير من علامات التعجب، الصوت المتعب الذي يبدو كأنه يجد حرجاً في الكلام. حتى إنّ الديوان ينتهي بقصائد قصيرة جداً، لا يزيد كل منها على أسطر عدة. قصائد تفتقر إلى الأمل، تبدو كأنها في انتظار النهاية: «اقرأ الفاتحة، يا ولد ! لنفسك، اقرأ الفاتحة/ كل ليلة، قبل أن تنام/ قبل أن... يسطروا نعيك / ويسألوا القراء الفاتحة».