strong>محمد رضا
  • مـــن ينقـــذ الساحـــر الصغيـــر مـــن مصيــره المحتّـــم؟

  • موقعه مباشرة بعد جيمس بوند في نعيم الفنّ السابع. أسطورته دارت حول العالم، وغزت مخيلات الصغار والكبار. لكن المشاهدين العرب لم يُقبلوا على مغامراته بحماسة كافية، ربما لأن واقعهم لا يترك لهم ترف تذوق الفانتازيا. اليوم كبر الساحر الصغير ذو اللكنة الإنكلزية، واقترب من المحطة الأخيرة في مسيرته. هل هناك حياة بعد هاري بوتر؟

    لا يمانع المُشاهد من رؤية رسم داخل صورة تذكارية يتحرّك كما لو أنه بثٌّ حيٌّ، ولا أن تُفتح صخرة سمسم، أو أن يطير الفيل، أو يشرب البطل لبن العصفور! ما يزعجه هو ألا يكون هناك سبب وجيه لكل ما يحصل! وهنا المشكلة مع الأفلام الفانتازية التي هي نوعان: الأول يقدّم أسباباً وجيهة لمجريات الأحداث، والثاني لا يقدّم أي تبرير.
    أما الأفلام التي من مستوى «سيد الخواتم» The lord of the rings، و«حرب النجوم» Star wars و«هاري بوتر وطائفة العنقاء» Harry Potter and the Order of the Phoenix، فتحتوي عادة على الأسباب الوجيهة، لكن من وجهة نظر فانتازية، ما يعني أنّه لا يمكن تصديقها، لكن يمكن كثيراً الابتهاج بها وقبولها بأكاذيبها وخيالاتها.
    المشكلة في «هاري بوتر» على مستوى السوق المحليّة، قد لا تكون في السلسلة بعينها، بقدر ما هي في المتلقّي العربي. فكلامها لا يستوعبه العقل، وهي ليست أفلاماً سياسية واضحة الميول والقضايا، ليُعجب بها المشاهد الباحث عن هذا الجانب في كل فيلم... ولا قصص حب وردية، أو أفلاماً كوميدية فاقعة، لتثير إعجاب من هم دون الحادية والعشرين! حتى «سيّد الخواتم» الذي يُعَدُّ أفضل ما أنتجته سينما الخيال العلمي في السنوات العشرين الأخيرة، لم يحصد في الدول العربية إلا جزءاً يسيراً من الإعجاب، رغم أنّ الأجزاء الثلاثة منه حقّقت ثلاثة مليارات دولار حول العالم. في حين أنّ قلّة قليلة تحلّقت حولها في عروضها العربية وهي تمثيل رمزي للجمهور المحدود الذي يكترث أساساً لأدب الخيال العلمي والفانتازي بشكل عام.
    مع انتشار «هاري بوتر وطائفة العنقاء»، يكون المنتج ديفيد هايمان وشركة «وورنر» قد أنتجا خمسة أفلام من سلسلة روايات ج. ك. رولينغ السبعة، وأوّلها «هاري بوتر وحجر الفيلسوف» (2001) الذي أخرجه كريستوفر كولمبوس (المخرج الذي أطلق سلسلة Home alone). وقد أخرج كولمبوس الجزء الثاني «هاري بوتر وحجرة الأسرار» (٢٠٠٢)، بينما أخرج الجزء الثالث «هاري بوتر وسجين أزكابان» (2004) الإسباني الأصل ألفونسو كوارون مباشرة قبل أن ينطلق لإخراج فيلمه الأفضل حتى اليوم «أطفال الرجال». أما الجزء الرابع فكان «هاري بوتر وشعلة النار» (2005)، وقد أخرجه البريطاني مايك نيووَل... قبل أن يتسلم ديفيد ياتس الدفّة، ليقدّم الجزء الخامس «هاري بوتر وطائفة العنقاء» ويعلن أنه سيخرج أيضاً الجزء السادس «هاري بوتر ونصف شقيقه الأمير» في عام 2008البريطاني ديفيد ياتس (43 سنة) معروف أساساً مخرج أفلام قصيرة، ولا بدّ من التساؤل: على أي أساس وضع ديفيد هايمان أمانةً في رقبة المخرج المغمور تبلغ 150 مليون دولار لإنتاج الفيلم؟ يجيب المنتج: «هذا الجزء هو أكثر أجزاء هاري بوتر تعاملاً مع المشاعر الإنسانية والعاطفية. هذا أحد الأسباب التي دفعتني إلى اختيار ديفيد ياتس مخرجاً. وفي الجزء الرابع كانت هناك مشاعر عاطفية بالتأكيد، لكني أعتقد أن المغامرة ذات المؤثرات الضخمة كانت المسيطرة. أما السبب الثاني لاختيار ياتس فهو أنّه يتمتّع بطريقة متقنة في إدارة ممثليه. يعرف ما يريده منهم ويحدده لهم بسهولة. وهذه المرّة، التمثيل هو عنصر أساسي في العمل كلّه».
    حسن إذاً، لدينا فيلم فيه تمثيل درامي يواجه كل هذا الكمّ من المؤثرات الخاصة التي تتوّج السلسلة عادة. ومن علامات ذلك أنّ هاري بوتر (دانيال ردكليف) في الجزء الخامس يفرح ويبكي، ويقبّل فتاتين في خلال نصف ساعة! لكن هل صحيح أنه استعين بـمستشار خاص Grief counselor ليعلّم مراهقي الفيلم، وبينهم هاري بوتر، كيف يتعاملون لتحديد مستوى الانفعال العاطفي ودرجته المطلوبة؟ نعم. لكن ما الذي حدث للممثل النجيب دانيال ردكليف الذي يستطيع توفير المشاعر المطلوبة بفضل موهبته... أو بالأحرى عليه أن يوفّر المشاعر المطلوبة بفعل موهبته؟ إنّه زمن مختلف اليوم. بالأمس، لم يكن هناك حتى كومبيوتر يمكن أن يصنع دمعة على خدّ حنون إذا ما أخفقت العين في توفيرها.
    الكاتبة الإنكليزية ج. ك رولينغ هي ابنة عصر سابق (سنة 1965) هو خاتمة العصور التي كان فيها الصغار يقرأون. وهي اعتادت قراءة الروايات منذ الـ 11 من العمر، عندما قدّمت لها عمّتها إحدى روايات الكاتبة جسيكا متفورد (1917ـــــ 1996). في الثامنة والعشرين، وبينما كانت في القطار، خطرت لها الرواية الأولى من «هاري بوتر». وفي عام 1995 نشرت الرواية التي انتقلت إلى الشاشة عام 2001. وكانت بداية ناجحة لسلسلة هي ثاني أنجح سلسلة أطلقتها السينما في تاريخها من حيث مجمل الإيرادات، بعد سلسلة جيمس بوند، إذ بلغت حوالى أربعة مليارات دولار. عندما تم شراء حقوق الرواية الأولى، أذعنت شركة «وورنر» لطلبات الكاتبة التي اشترطت أن يتم التصوير كلّه في بريطانيا، وأن يكون الفيلم إنكليزي اللكنة، وألا يشارك فيه أي ممثل أميركي... وهذه بعض من الشروط التي نفّذتها «وورنر». حتى أنّه تردّدت شائعات قبل سنوات عن أن المؤلفة دخلت على الخط عندما اتّصلت الشركة بالمخرج ستيفن سبيلبرغ لإخراج الفيلم الأول من السلسلة. ويقال إن الكاتبة هي التي كانت وراء رحيله.
    كان دانيال ردكليف يبلغ 12 سنة عندما اختير لتمثيل الدور في الفيلم الأول من السلسلة الذي حقّق 969 مليون دولار في الأسواق العالمية كلّها. وكان ذلك هو الاختبار الذي تحتاج إليه «وورنر» لمعرفة إذا ما كانت قد أصابت الهدف. واليوم يبلغ ردكليف 17 سنة، وقد حاول العام الماضي التمهيد لمرحلة ما بعد «هاري بوتر»، إذ بقي من السلسلة جزءان فقط. وها هو يرتقي خشبة المسرح ليمثّل الدور الرئيس في مسرحية «المهر». وأكثر من ذلك: لقد ظهر عارياً، حسب ما يتطلّبه النص الذي وضعه بيتر شافر عام 1973، وأخرجه للسينما سدني لوميت عام 1997 من بطولة ريتشارد بيرتون.
    قد يكون الممثل الشاب تطوّر في أدائه، رغم أنّنا لا نرى ذلك على الشاشة. فمَن يتابع الأجزاء الخمسة، يجد دانيال ردكليف هو ذاته من فيلم إلى آخر، باستثناء بعض التغييرات الطفيفة التي تُرجمت بقدرته على تلوين الوجه بإنفعالات أفضل قليلاً كل مرّة. في كل الأحوال، سواء استطاع الممثل الشاب تجاوز مرحلة ما بعد هاري بوتر أو لا، فإن ما حصده من السلسلة (14 مليون دولار عن الفيلم الخامس وحده) سيكفيه ليختار ما يريد أن يفعله في حياته. يقول: «المرجّح أنّ الجزء السابع (الأخير) من «هاري بوتر» سيعرض عام 2010، ما يعني أنّ السلسلة أخذت من حياتي عشر سنوات. هذا كثير، وبالتأكيد سأكون حزيناً حين أتركها».
    الساحر الصغير الذي تحوّل إلى ظاهرة حقيقية، دفع بآلاف المعجبين إلى التوقيع على عريضة يطالبون فيها ج. ك. رولينغ بأن تعدّل الجزء الأخير بعنوان «هاري بوتر والأنفاق المهلكة» الذي ستموت فيه شخصيتان رئيسيتان حسبما قالت المؤلفة. القراء وقّعوا العرائض لإنقاذ الساحر الصغير من النهاية المحتّمة. فهل تغيّر رولينغ رأيها وترحم الدجاجة التي باضت لها كل هذا الذهب؟

    بدءاً من الخميس في صالات «أمبير»