strong>بشير صفير
للسنة الثالثة أقيم مهرجان «الجاز يعيش في سوريا» (Jazz lives in Syria) في دمشق وحلب، بدعم من السفارة السويسرية، وبعض الهيئات الثقافية كالمعهد العالي للموسيقى والشركات الخاصة. المهرجان بأنّه لقاء عفوي وحميم بين موسيقيين سوريين ناشطين في مجال الجاز تأليفاً وعزفاً، وزوار أوروبيين آمنوا بمشروع نشر ثقافة الجاز.
شاركت معظم الفرق في الحفلات التي أقيمت في دمشق وحلب على السواء، وجمعت حفلة الافتتاح في باحة القلعة الأثرية في دمشق عازف الكلارينت والمؤلف الموسيقي كنان العظمة وعازف الأكورديون الألماني مانفرد لويشتر «وجهاً لوجه»، في لقاء شارك فيه ثنائي من ألمانيا (غيتار وإيقاعات). وقدّمت الفرقة مجموعةً من المؤلفات وضعها لويشتر والعظمة، العضو في «حوار»، إحدى الفرق الرائدة في مجال الموسيقى البديلة في سوريا.
ولعل إحدى أجمل محطات المهرجان، الأمسية التي أحيتها عازفة البيانو التركية عايشة توتونجو وفرقتها، إذ تعيد توزيع روائع التانغو، وموسيقى العالم، والجاز، والموسيقى الكلاسيكية... في توليفة قوامها الصوت الإيقاعي في مواجهة آلة البيانو إلى جانب ساكسوفون وفلوت العازف التركي يحيى ضاي. بعد تقديم مقطوعات معظمها من ألبوم Variations، أدت توتونجو «بعدك على بالي» لفيروز بلكنة لبنانية مكسّرة، بينما أتى لحن الأغنية مطابقاً للحن الرحباني الأصلي، والتوزيع محاكياً نَفَس زياد الرحباني. وبلغ المهرجان ذرو مع أوركسترا الجاز السورية ـــــ السويسرية التي اختتمت البرنامج في دمشق، كما في حفلة رباعي الموسيقي السوري وعازف الساكسوفون الشاب باسل رجوب التي شاركت فيها المغنية السورية من أصل أرمني لينا شماميان.
أما برنامج حلب، فافتتحته فرقة «رباعي حلب للجاز» التي قدّمت مجموعة من الكلاسيكيات، ومقطوعات لعازف البيانو في الفرقة سالم بالي. وقدّم «رباعي فريسكوبا لدي» الإيطالي حفلةً قامت على توليف جازي لأعمال المؤلف الإيطالي من عصر النهضة جيرولامو فريسكوبالدي، وحفلة جاز للموسيقية السورية من أصل أرمني شوهاك، وأصدقائها «رباعي جيرارد كلاين» من هولندا، و«رباعي فرانكو أمبروزيتي» من سويسرا، وفرقة «احتمالات» السورية التي تضم في معظمها موسيقيين من أصل أرمني، إضافة الى «ثماني أماديس دنكل» و«ثلاثي أوليفر فريدلي» بمشاركة غنائية لهوري دورا أبارتيان التي كانت لها مشاركة لافتة في المهرجان.
المحطة الموسيقية الأضعف في برنامج حلب كانت حفلة «نعيم قسيس وأصدقاؤه»، إذ لم تقدم جديداً في إعدادها لمقطوعات موسيقية معروفة في عالم الجاز وغيره، ولم يوَفَّق أعضاؤها بالارتجالات التي كان يمكنها أن تنعش المقطوعات. ولم يبرز في هذا اللقاء سوى عازف التشيلّو بشار شريفة الذي قام بمداخلات ومرافقات مرتجلة جيدة افتقرت إلى النضج الذي يبرره صغر سنه. وكانت الحفلة التي قدّمها باسل رجوب ولينا شماميان هي الأنجح من حيث عدد الجمهور الحلبي.
وكالعادة كانت الحفلة الختامية، لأوركسترا الجاز السورية ـــــ السويسرية التي تضم حوالى 30 موسيقياً، معظمهم من المواهب السورية الشابة التي يدرّبها السويسري أماديس دونكل. كما يتولى تأليف المقطوعات التي تعزفها، بالاشتراك مع الأميركي فرانك كارلبرغ وعازف البيانو الشاب ناريغ أباجيان، ويتناوب معهما على قيادتها. لكنّ الفرقة لم تشكّل حدث المهرجان كما كان متوقعاً، إذ أتت حفلات الفرق ذات التركيبة المختصرة (أربعة موسيقيين) أكثر بساطة وحميمية. وتميزت الحفلة الختامية هذه ببعض المحطات الغنائية الشرقية والغربية، أبرزها لعازف الباص الكهربائي في الفرقة ومغني الهيب ـــ هوب الذي يتولى كتابة أغانيه خالد عمران. والأخير بات من أبرز الموسيقيين الشباب في سوريا، بسبب كثرة اهتماماته وإطلالاته المختلفة الأشكال.
ولا بد من الإشادة بهذا النشاط الثقافي الواعد في سوريا، رغم نقاط ضعف عدّة، مثل خلو البرنامج من الأسماء العالمية في عالم الجاز اليوم، واستهلاك الفرق نفسها (محلية وأجنبية) على مدى الدورات الثلاث الماضية، ما حال دون فتح المجال للجمهور أمام اكتشاف تيارات أخرى في عالم الجاز.