خالد صاغية
منذ زمن بعيد، والعديد من الكتّاب والمحلّلين يشدّدون على غياب الإجماعات عن الساحة اللبنانية. يتحدّثون عن هذا الغياب كأنّه آفة. بالنسبة إليهم، لا يمكن بناء وطن ودولة من دون هذا الحدّ الأدنى من الإجماع على قضايا محدّدة. حتّى الفدراليّة لا يمكنها أن تستقرّ في بلاد لا يتمتّع أهلها بنظرة واحدة إلى الدفاع والسياسة الخارجية.
اللبنانيّون لا يجمعون على شيء. يقال ذلك، ويضاف: «هيدا بلد ما بيركب». يسقط عدد من المواطنين في هذا الفخّ أيضاً، فيشعرون بحالٍ من الضياع إذ يؤرّقهم بحثهم عمّا يسمّونه الهوية، في بلاد تبدو عصيّة على التعريف.
المواطن ألِف، وعلى عكس التحليلات المدرسيّة، سعيد بغياب الإجماعات هذا. لا بل يشعر بالخوف من أن يأتي يوم يُجمع فيه الشعب اللبناني على أمور مصيرية. تخيّلوا مثلاً أن تصبح «ثورة الأرز» أسطورة تأسيسية للبنان الحديث في وعي جميع اللبنانيين. تخيّلوا أن تلتفّ البلاد كلّها خلف حلف 8 آذار. قلّة ستسعد بالعيش في بلاد كهذه.
يبدو الأمر أحياناً كما لو أنّ لبنان يعاني من فائض في الإجماعات، لا من نقص فيها. فالمشكلة اليوم ليست في عدم اتّفاق فريقيْ 8 و14 آذار على أمور أساسيّة، بل في إجماع نصف اللبنانيين على خطاب 14 آذار، وإجماع نصفهم الآخر على خطاب 8 آذار. المطلوب تفكيك هذين الإجماعين بدلاً من محاولة التوفيق بينهما، أو من انتصار أحدهما على الآخر.