حسين بن حمزة
في مجموعتها «بطعم الفاكهة الشتوية» (دار النهضة)، تكتب التونسية لمياء المقدم نصاً شعرياً يصل إلى القارئ مع مسوّداته ومواده الخام، ومناخات كتابته الأولية. نص مكتوب وفق تلقائية لا تكترث بالحذف أو الاقتصاد. العبارات طويلة ومعطوف بعضها على البعض الآخر. ما يبدو للوهلة الأولى ضعفاً في التركيز الشعري، يستمر إلى النهاية تقريباً. وما يلوح بوصفه لامبالاة بإنجاز بصمة ما، يتوالى من قصيدة إلى أخرى. لا يجد القارئ عناية باللغة أو الصورة أو المسالك التي يتحرك فيها المعنى داخل القصيدة. المعنى، على أي حال، هو أول ما يلمسه القارئ. إنه ممنوح بلا جهد تقريباً.
قصيدة لمياء المقدم واضحة المعالم، قليلة الاستعارات. لا تسير في مناطق شعرية وعرة أو ملتوية، وليس في نيتها أن تخضع للشروط التي باتــــــت كل قصيــــدة راهنة مطالبة بتحقيقهــــا، كلها أو معظمها على الأقل.
لكن هذه الملاحظات التي تعطي انطباعاً سلبياً عن المجموعة (وهي الأولى على ما يبدو)، لا تعني بالضرورة أن يكون ما تكتبه الشاعرة قليل الجودة أو سيئاً بالكامل. لعل هذا الشعر يحمل دعوة خاصة إلى تلقّي شعر مكتوب بعفوية الصدق أكثر مما هو مكتوب بالتقنيات. الصدق هنا قد يكون صدقاً فنياً وواقعياً في آن واحد. ليس على القارئ أن يتعجّل في حكمه على قصائد الكتاب، وخاصة إذا استند هذا الحكم إلى ذوق مسبق.
لكن القارئ، إذ يتروّى قليلاً في حكمه، لا يجد دعماً كافياً من النصوص نفسها. يقرأ ويقرأ، فلا يلمع أمامه سوى عدد نادر من الصور. كما حين تقول: «تعرّيت / حتى بدا عظمي / ولم أكتشف عمقي»، وكذلك: «لا زلت لا أدري / أقبّلتني فعلاً / أم حطّت على شفتي فراشة». وهي صور لا تلمع بسبب جدّة الابتكار الذي فيها، بل غالباً ما يُعزى هذا اللمعان إلى وجودها داخل نصوص تسلك فيها اللغة سلوكاً معجمياً عادياً، إلى حد أن أي صورة أو جملة مختلفة قليلاً تصبح حدثاً شعرياً غير عادي، فتلمع أكثر من اللازم.
ثمة نثرية شبه شاملة في مجموعة لمياء المقدم. باستطاعة القارئ أن يتذوق بعض قصائدها باعتبارها سرديات، ومرويات قصصية. صحيح أن ذاتاً متألمة ووحيدة تتمدد على مساحة القصائد، وصحيح أن هناك طموحاً واضحاً في مزج الألم الشخصي بمادة الكتابة، إلا أن ذلك لا يكفي، وحده، كي تمتلك النصوص صلاحية شعرية مميزة ومستديمة.
إضافة إلى ذلك، هناك تفاوت في مستوى الأعمال الموجودة في المجموعة. وقد نصادف هذا التفاوت داخل القصيدة الواحدة. وبسبب النثرية المفرطة، نجد أحياناً ركاكة في بناء المقطع الواحد: «في القطار جلست امرأة إلى جنب امرأة أخرى / بينهما سلة مشتريات / ...../ المرأة لا تعرف الأخرى / والأخرى لا تعرف المرأة بدورها».