strong> خليل صويلح
  • «عاصمة الثقافة العربية» تستعيد وجهها الضائع؟


  • ليست برمجة عادية، بل ثورة ثقافيّة: صادق جلال العظم ونعوم تشومسكي، ديبورا وورنر وبوب ويلسون، الفاضل الجعايبي ونضال الأشقر وروجيه عساف، عابد عازرية وصباح فخري. هذا بعض ما يتضمنه برنامج دمشق عاصمة ثقافيّة لعام 2008. هل تربح حنان قصاب حسن رهانها، وتطلق ورشة التعددية والانفتاح؟
    التظاهرات الثقافية الضخمة التي تتبناها وترعاها، في العالم العربي، المؤسسة الرسمية، وتتولّى أجهزة الدولة الإشراف عليها والترويج لها... تخدم كل شيء إلّا الثقافة. هذا المبدأ يعرفه المبدعون والمثقفون منذ زمن بعيد. ومع ذلك فهم يترقبون تلك المناسبات بشوق، وينخرطون فيها بحماسة، بصفتها الرئة الوحيدة المتاحة غالباً، التي توفّر في النهاية فرصة حيوية للإنتاج والتواصل، في قلب الراهن الثقافي (والسياسي) الآسن الذي نعيش.
    كل ذلك لا يمنع حنان قصاب حسن من أن تحلم. هذه المثقفة والناقدة والأكاديمية تريد أن تجعل من دمشق، العام المقبل، استثناءً عربياً، من خلال أسلوب مغاير في تنظيم التظاهرات التي تحتضنها العاصمة السوريّة، بعد اختيارها لتكون عاصمة الثقافة العربية لعام 2008.
    تراهن حنان قصاب، الأمين العام لهذه الاحتفالية، على برمجة تخرج الثقافة من إطارها النخبوي، وتفتحها على الشارع. كما تطمح الى خلق علاقة تفاعلية بين المبدع والمتلقي. المناسبة في نظرها «عيد شعبي»، لا مكان فيه لثقافة متجهمة. «لكنّ الرهان على شعبية الثقافة، لا يعني التنازل عن المعايير الفنية الصارمة، والذوق الرفيع».
    العاصمة هذه الايام ورشة دائمة: ترميم الأرصفة والساحات الرئيسية، مروراً بأحياء دمشق القديمة التي ستستقطب جزءاً كبيراً من البرامج. دمشق عاصمة الثقافة العربية لعام 2008، تبدو للقيمين عليها فرصة استثنائية لتستعيد أقدم مدينة في العالم وجهها الحضاري، وتاريخها العريق، وصورتها الحقيقية. هذه الصورة التي تشوشت منذ زمن، في ظل هيمنة ثقافة رسمية لم تتمكن خلال عقود من إبراز مختلف الأطياف والتجارب والأصوات التي تتكوّن منها الحياة الإبداعية والفكرية في بلد سعد الله ونوس والماغوط وأدونيس، نزار قباني وغادة السمان وزكريا تامر. هل تكون مناسبة لإعادة الاعتبار إلى التعددية والتنوع، وإلى المبادرات الأهلية الخلّاقة، في إحدى أبرز العواصم الثقافية العربية؟ هذا على الأقل ما يأمله اليوم أهل الثقافة والأدب، والفكر والإبداع على اختلاف مشاربهم: ألّا يكون العام المقبل في سوريا مجرد مناسبة استعراضية فارغة لا تعكس روح البلد، وقواه الكامنة.
    وحنان قصاب حسن، حالما نطرح أمامها السؤال، تبدو واعية لهذا التحدي: «هذه المناسبة ستكون محطة أولى لثقافة تنموية مستديمة نحن أحوج ما نكون إليها». اختارت الأمين العام للاحتفالية «برمجة ذات مقاسات بشرية، من دون ضخامة فارغة». ستكون «ورشةً صغيرةً ونوعيةً تغلب عليها العناصر الشابة». وستستند قصاب في خيارات البرمجة، إلى «لجنة استشارية تضم شخصيات ثقافية معروفة»، لرسم خريطة الاحتفالية بعيداً من الروح الفولكلورية التي ترافق النشاطات الثقافية الرسمية عادة.
    أصعب ما يواجه هذه الورشة طبعاً، تهيئة الكوادر البشرية، وتجهيز فضاء المدينة لاستقبال نشاطاتها ومقترحاتها، لذلك كانت قضية التلوث البصري في مدينة دمشق، ركناً أساسياً في النقاش بين أعضاء اللجنة المنظّمة. الفنان التشكيلي إحسان عنتابي قدم مجموعة متكاملة من المقترحات التي من شأنها أن تعيد إلى المدينة روحها وهويتها، بدءاً من إزالة اللوحات الإعلانية التي أدّت دوراً صريحاً في تشويه شوارع دمشق وساحاتها، وتحسين صورة المباني الأثرية القديمة مثل «محطة الحجاز» و«مبنى مياه عين الفيجة» و«القصر العدلي القديم»، وتوحيد الشكل الخارجي لمباني بعض الشوارع الرئيسية في المدينة، إضافة إلى المباني الحكومية الرسمية. وستُرمم أماكن مهجورة مثل المعامل القديمة والملاجئ ودور السينما لاستضافة نشاطات نوعية.
    برنامج الاحتفالية المقترح يحتشد بعناوين لافتة وحيوية، تمتد على مدار العام، يُفتتح بعرض كرنفالي في شوارع دمشق، يليه عرض موسيقي أندلسي بعنوان «نصيب» للموسيقي السوري المهاجر عابد عازرية و«أوركسترا الباروك في برلين» (ألمانيا)، ومسرحة قصائد للشاعر نزار قباني يخرجها جمال سليمان. وتشتمل السلة الموسيقية على أمسيات غنائية وموسيقية تحييها أصوات سورية لافتة: لينا شماميان، ديما أورشو وليندا بيطار، وفرقة «ماري» (سوريا)، وفرقة «الموسيقى العربية» (مصر). ونشير الى أمسية موسيقية للعازف السوري العالمي نوري رحيباني، وأمسية للتينور الإسباني بلاسيدو دومينغو، وإلى مهرجان الجاز والموسيقى المقدسة، وسيرك الشمس ومسك الختام مع القدود الحلبية بصوت صباح فخري.
    وتستضيف الاحتفالية عروضاً مسرحية مهمة، أبرزها «هاملت ـــ النورس» للمخرج أرباد شيللنغ (هنغاريا)، و«الأيام الجميلة» عن نصّ بيكيت للمخرجة البريطانيّة الرائدة ديبورا وارنر (بريطانيا)، و«زمن القتلة ـــ هنري الخامس» للمخرج بيبو ديلبونو (إيطاليا)، وحكايات لافونتين الشهيرة كما تقدمها فرقة مسرح «الكوميدي فرانسيز» من إخراج الأميركي المشاغب بوب ويلسون (فرنسا)، و«باليه قبل الغسق» لفرقة وليد عوني (مصر) و«بوابة فاطمة» لروجيه عساف (لبنان)، و«أنتيغونا في بيروت، انتيغونا في رام الله» لفرقة مسرح الهناجر (مصر)، و«ديفا ديفا» مونودراما لنضال الأشقر (لبنان)، و«خمسون» لفاضل الجعايبي (تونس)... وسيشهد الموسم عشرات الندوات والمؤتمرات، في مختلف المجالات الفكرية والتراثية والنقدية والأدبية... إضافة إلى مهرجان دمشق السينمائي الذي يقدم عشرة أفلام سورية جديدة. وتلفت قصاب حسن إلى مشروع حيوي آخر يتعلق بتوثيق التراث الثقافي السوري الذي يهدّده النسيان، وتهيئة بنى تحتية جديدة للتراث المعماري والتشكيلي والبصري. وعلى قائمتها مجموعة من المفكرين والأدباء، تنوي اشراكهم في هذه المناسبة، بينهم صادق جلال العظم ونعوم تشومسكي ومروان قصاب باشي، وإيزابيل الليندي...
    هل تتحول المدينة في آذار (مارس) المقبل إلى مركز ثقافي مفتوح؟ الربيع الذي تحلم به حنان قصاب، مثل كل مثقفي بلادها، على الابواب. شرط أن تكون الرياح مؤاتية في هذه المنطقة الواقفة على حافة بركان.