دمشق ـــ حسن سلمان
في عمله المسرحي الجديد «فوتوكوبي»، يحاول ماهر صليبي أن يرصد حياة المواطن السوري البسيط، مستعيناً بنص الكاتب الأميركي موري شيزجال. إلا أنّ صليبي يعيد كتابة نصّ «الطابعان» لشيزجال كي يلائم بنية المجتمع السوري وواقعه، ويكشف عن حياة تبدو عبارة عن لحظات «فوتوكوبية» تمرّ مسرعة، فيما صاحبها يراوح مكانه.
يرصد العمل حياة موظّفين بسيطين هما ليلى ومروان يعملان طابعين في إحدى الدوائر الحكومية، ويعتقد كل منهما أنّ عمله الحالي موقت. إلا أنّ أحلامهما سرعان ما تتكسّر على صخرة الواقع اليومي، فيبقيا في عملهما أربعين عاماً.
في المسرحية، نجد الموظفة ليلى (يارا صبري) تعاني وطأة الروتين اليومي، والوحدة وترسّبات كثيرة من الطفولة تجعلها تكره أخاها الذي كان مفضّلاً عند أهلها. هذا فضلاً عن مشكلة العنوسة التي تطاردها وتدفعها إلى طلب الزواج من زميلها المتزوج. بينما نرى الموظف الشاب مروان (محمد حداقي) الذي يدرس الحقوق ويعمل في المطبعة مع ليلى ليعيل أسرته. وهو يعوّل على خاله المسؤول كي يوظّفه في مكتب محاماة عندما يتخرّج. لكنه يصاب بالإحباط عندما يخذله هذا الأخير في أول اتصال يجريه معه.
على رغم بساطتها واقتناعها النسبي بالواقع العبثي الذي تعيشه، نجد شخصيات صليبي تثور أحياناً على هذا الواقع وتحاول تقويض أركانه. إلا أنّ محاولاتها تنتهي بطريقة كارثية، تعيد الشخصية ذاتها إلى عالمها الأبدي المملّ. وهناك شخصية ثالثة في العرض، تظهر وتختفي من حين إلى آخر. ورغم أنّها ثانوية، إلا أنّها تبدو مفصلية في ترتيب الأحداث التي تمر بها المسرحية: إنها شخصية الآذن أبو عبدو (منصور نصر) الذي يبدو حزيناً وصامتاً يسير ببطء شديد ويظهر بين الفينة والأخرى ليعيد ترتيب الأشياء، ويزيل غبار الزمن عن المكان الذي يضيق بسكّانه.
إن صمت أبو عبدو هو نتيجة ثورته على واقعه البائس بعد كشف قضية فساد مديره، ما عرّضه لقطع لسانه. هكذا، اعتصم بالصمت ملتزماً عمله الذي يقتضي منه تنفيذ الأوامر.
لا يكتفي صليبي بشخصياته الثلاث المنفية داخل عالمها، بل يلجأ إلى المزيد من الرموز ليؤكد مقولته التي يلخص بها العمل «الساعات والأيام والسنون تمضي بسرعة، ومع ذلك نشعر بملل فظيع»، إذ يلجأ إلى المذياع الذي ينقلنا من فترة زمنية إلى أخرى عبر تجدد الأخبار والأغاني خلال 40 عاماً يقضيها الموظفان في العمل.
أمر آخر يلجأ إليه المخرج للدلالة على انقضاء الزمن، وهو دلف السقف الذي يشير إلى اهترائه مع الوقت، إضافة إلى توظيفه الإضاءة للدلالة على تبدّل الفصول وتغيير سحنة الممثلين. وفي النهاية، يصاب المكان بالملل وتضيق الجدران كأنها توحي للموظفين بأنها سئمت من رؤيتهما 40 عاماً.