دارينا الجندي في أفينيون. الممثلة اللبنانية وحدها على الخشبة في إحدى الصالات التي تستضيف عروض التظاهرة الموازية (Avignon Off) لهذا المهرجان العريق في جنوب فرنسا، هنا، في «الأوف»، يكتشف النقاد والجمهور عادةً، في زحمة العروض، فنانين واعدين على طريق الشهرة والتكريس. تحت قبّة كانت ذات يوم لكنيسة صغيرة، تقف امرأة وحيدة، بثوبها الأحمر، وسط دائرة الضوء. إنها عودة دارينا إلى المسرح، في نصّ من تأليفها «يوم توقفت نينا سيمون عن الغناء» (بالتواطؤ مع الكاتب والمسرحي الجزائري محمد القاسمي)، وبإدارة المخرج الفرنسي ألان تيمار (إنتاج المسرحي المصري كريم بطرس غالي). ويصدر نص المسرحيّة عن دار «آكت سود» في الخريف المقبل.يضج مهرجان الـOFF عادة بكمية خرافية من الأعمال (900 عمل في موازاة عشرة عروض رسمية)، تستعمر كل الفضاءات المتاحة في مدينة البابوات، وقد لا ينتبه إليها الجمهور في الزحام... لكن هذه المسرحية بالذات، تشهد إقبالاً كثيفاً. كل مساء تغصّ القاعة الصغيرة لمسرح «لي هال» بالمشاهدين. تنفد البطاقات، ويُدعى الراغبون إلى العودة في اليوم التالي (تُعرض في أفينيون حتى 28 الجاري). لا بد من القول إن جريدة «لوموند» الباريسية انتبهت إلى العرض وخصّته بمقالة مديح!
دارينا ليست وحدها تماماً على الخشبة، معها صديقتها مغنية الجاز الأميركية نينا سيمون ترافق المَشاهد. وهناك طيف والدها الكاتب الراحل عاصم الجندي الذي كتبت المسرحية إليه، أو بالأحرى لتصفّي حسابها معه (بالمعنى الفلسفي والنفسي طبعاً). هي وجثمان الأب، في لحظة مواجهة حادة مع الماضي ومع العالم. النص أوتوبيوغرافي أساساً، لكن قصة نون مبتكرة كما تؤكد الفنانة. مسرحيّة «حين توقفت نينا سيمون عن الغناء» تستعيد سنوات الحرب والعنف وفنون التدمير الذاتي، والعلاقات العنيفة في مجتمع مفتّت، مثل أوهام الشابة البيروتية التي سُجن والدها مراراً، وأورثها الأفكار العلمانية والثورية والتحررية التي لازمته حتى موته. «نون» مسكونة بالنقمة على والد تركها فريسة أوهام الحرية، ومضى. الممثلة تتوجه إلى الوالد الغائب تارة، وإلى المشاهد طوراً، بينما الجثمان ممدّد في غرفة أقفلت الابنة بابها، ومنعت دخول أحد إليها.
دارينا الجندي شاركت في أعمال تلفزيونية عدة (نجدت أنزور، محمد سويد...)، ولفتت الأنظار في السينما (في إدارة غسان سلهب، دانييل عربيد، قاسم حول، هالة عبد الله، جان كلود قدسي)، لكن المسرح يبقى حبّها الأول والأخير. وها هي تعود إليه بعد انقطاع. تصالحت دارينا مع المسرح، لكنّها ما زالت على خصام مع بيروت التي لن تحتضن عملها الجديد!