غادر سعدي يوسف العراق للمرة الأخيرة قبل ثلاثين عاماً، هذا الشاعر المولود في البصرة عام 1934، ظل يتنقل قبل ذلك بين الشرق والغرب بحثاً عن مستقرّ. وكان سُجن بعد انقلاب البعثيين الأول في شباط (فبراير) 1963 وأطلق قبل ليلة واحدة من انقلاب القوميين عليهم أواخر العام نفسه. ذهب إلى طهران ودمشق ثم الجزائر حيث أقام لسنوات قبل أن يعود الى وطنه بعد انقلاب البعثيين الثاني في تموز (يوليو) 1968 وبعدما حاصره سؤال يشبه الكابوس: «هل أعود أم لا؟»، ولم تطل اقامته هذه المرة، إذ كان الوضع يتردّى وكانت هناك حملة قمع متصاعدة ضد الشيوعيين وضد كل من يشتبه في معارضتهم للنظام وإن كانوا بعثيين. بعد رحيله، تنقّل سعدي بين مدن كثيرة: بلغراد، نيقوسيا، باريس، بيروت، دمشق، عدن... ليستقر أخيراً في لندن، ويحصل على الجنسية البريطانية. سعدي في حله وترحاله لا يخرج عن مصير عاشه معظم الشعراء العراقيين الكبار: الجواهري، السياب، البياتي، نازك... يأخذهم المنفى اليه فجأة ثم يتركهم معلّقين حتى الموت. بينما تظل فكرة الوطن البعيد مصدراً شعرياً، يتجدّد مع هموم أخرى، وطن بحاجة الى معجزة ليعود الى رشده.