باسم الحكيم
بحث طوال خمس سنوات عن السيناريو المناسب، وها هو يعود في كوميديا «مودرن»، حوّلته إلى «أبو وسام». وخلال رمضان، يسافر إلى عمّان مع فرقته لتقديم «ثلاثين ليلة وليلة». وعندما تهدأ الأوضاع، سيستكمل جولته المسرحية في القرى اللبنانية
لا تعدوا أنفسكم بعودة أبو سليم وفرقته إلى الشاشة الصغيرة، في المدى المنظور. بعد رحلة استمرّت لأكثر من نصف قرن بين الإذاعة والمسرح والسينما والتلفزيون، يصعب اليوم لمّ شملها في عمل تلفزيوني جديد. لكن ذلك لا يمنع أن يطلّ كل فرد منها في عمل مختلف. هكذا يشارك فهمان (محمود مبسوط) في «ساعة بالإذاعة» (يعرض كل ثلاثاء على «أل بي سي»)، وأسعد (عبد الله حمصي) في «فرن الصبايا دوت كوم»، فيما يستعدّ أبو سليم (صلاح تيزاني) للظهور في «محلولي». وفي انتظار بدء التصوير، يقبع هذا الأخير في منزله في منطقة طريق الجديدة، باحثاً عن منتج لأحد مسلسلاته المخبأة في الأدراج منذ سنوات، من دون أن يجد شخصاً واحداً متحمّساً لتقديمها. يزعجه أن يقال إن أعماله باتت موضة قديمة، «فقد قدّمنا الكوميديا المستوحاة من المجتمع في الماضي، ونستطيع أن نتماشى مع التطور في نصوصنا المقبلة». وماذا عن الوعظ المباشر المتهم به؟ يسارع إلى نفي التهمة، «ليس أنا من يستخدم الوعظ المباشر، بل أبو ملحم... فنحن استعنّا بشخصيات من واقع المجتمع، منها البخيل والكريم والكذاب والنصاب».
لم يفقد صلاح تيزاني الأمل في أن يطلّ على محبيه، ويعد نفسه بأن يكون الموعد في رمضان المقبل، لكن على خشبة المسرح. إذ يتفاوض وفرقته على تقديم ثلاثين ليلة وليلة رمضانية في الأردن، بعدما فشلت المساعي في عرضها في قطر. لكنه لا يبدو متحمّساً كثيراً بشأن السفر إلى الأردن، «لأن قناة MBC تحجز ليالي رمضان في عمّان حيث يشارك فريق CBM في حفلات تنقل على الشاشة الصغيرة. وبالتالي، يصعب أن نجد لنا مكاناً وسط هذه الزحمة، علماً بأن الأمر ما زال معلّقاً، ولم نعط الجواب النهائي بعد». يعترف بأنه كان يفضل الاستقرار على خشبة مسرح لبناني، غير أن ظروف البلد الأمنيّة حالت دون ذلك، مضيفاً: «تعاونّا مع لجنة شؤون المرأة اللبنانيّة، واتفقنا على تقديم عشر حفلات في القرى تتمحور حول موضوع العنف ضد المرأة في قالب فكاهي... قدّمنا منها تسعة فقط. وبعدما تقاضينا عربون العرض العاشر، ننتظر هدوء الأوضاع حتى نختتم بها الجولة».
يعود صلاح تيزاني الغائب عن الشاشة منذ خمس سنوات، إثر عرض حلقات «حكم وأمثال» على «تلفزيون لبنان»... إنما مع وسام صباغ، وفيفيان أنطونيوس، جناح فاخوري، طارق تميم، أنجو ريحان. المسلسل هو «سيتكوم» بعنوان «محلولي» من كتابة كلوديا مرشليان وإخراج جورج خليل وإنتاج «نيولوك بروداكشن». يصف العمل بالخفيف الظل، معتبراً نفسه ضيفاً خفيفاً، «لا أدري حتى الآن مساحة دوري ومدى أهميته». علماً بأنه يجسّد شخصية أبو وسام الذي يعيش مع ابنه المنفصل عن زوجته، ويهتم بتربية حفيده جاد (جاد وسام صبّاغ) الذي تحول إلى صديقه المقرّب.
يؤمن بموهبة وسام صبّاغ التي جعلته يوافق فوراً على العمل معه. «كنت أحرص على متابعة مسرحياته في جامعة بيروت العربيّة، كان يجهّز لها الديكورات المناسبة ويشرع بالبروفات، ثم يعرضها ليوم واحد. هكذا كنّا نفعل في طرابلس أيام الشباب... نجهّز ديكورات مسرحياتنا بأيدينا، ثم نعرضها لمرة واحدة».
يبدي سعادته بولادة فنانين يهتمون بالكوميديا مثل جورج خباز ووسام صباغ، وغيرهما. ويقول: «بعدما كنتُ متشائماً قبل عشر سنوات تقريباً، ظهر جيل واعد، في وقت تُشغَل التلفزيونات بعرض البرامج السياسيّة الساخرة». يقول إن «صباغ قرأ أفكاري، إذ خطر في بالي كتابة عمل يضم ثلاثة أجيال. لقد حان الوقت لأؤدي دور الجدّ مع فهمان وأسعد مع أبنائنا وأحفادنا، وخصوصاً أن الجد يرتبط بصداقة مع حفيده، فالرجل المسن يحنّ إلى الطفولة، ويجدد أيامه مع الصغار». ليست الفرقة وحدها هي التي سيفتقدها المشاهد في «محلولي»، بل «أبو سليم» نفسه، فهنا صار اسمه «أبو وسام». يذكّر بأنه حمل اللقب في أعماله مع الفرقة، فيما قدم أفلاماً ومسلسلات مع العائلة الرحبانية وسواها بأسماء مختلفة.
أعماله مع الفرقة لم تغب تماماً، إذ يعاد عرضها على «تلفزيون لبنان» وفضائيات عربيّة أخرى، مستقطبةً المشاهدين. لكنه يتساءل عن «سبب تغييب برامجي الجديدة، ما دامت مطلوبة إلى هذا الحد». ويأسف لأنه يعطينا دليلاً آخر على محبة الجمهور لبرامجه، «يشترون مسلسلاتي على «سي دي». وعوض أن نستفيد من نتاجنا الغزير الذي قدمناه منذ بدايات التلفزيون، نجد أنفسنا مجبرين على شرائها أسوة بالمشاهدين». يدخل غرفته ثم يعود محضراً «عشرات الأسطوانات المدمجة التي اشتريتها من إحدى العربات... يبيعون بأسعار زهيدة غيض من فيض ما قدمناه خلال مسيرتنا (حوالى 150 حلقة)».
يتذكّر أبو سليم تلك الأيام، ويكشف عن تحضيره لكتاب عن مذكراته، على أن «يضم مسيرتي الفنية منذ البدايات. إلاّ أن تكلفته تصل إلى 5000 دولار، ولا أملك هذا المبلغ حاليّاً»... أليس هناك من ناشر متحمّس لتنفيذه؟ يجيب: «لن أسلّمه لناشر، بل أريد أن أعرّف الجيل الجديد إلى رجل أفنى حياته منذ سن السابعة وحتى اليوم في دنيا الفن». ثم يعود بالذاكرة إلى الوراء، يوم برزت موهبته في سن الثالثة، «ولم أتأخر حتى بدأت تقديم المونولوغ، علماً بأنني سأضمّن الكتاب أول مونولوغ قدمته في حياتي عام 1948». وبعدما يتوقف عند «المسافر»، أول عمل جمعه مع الفرقة، يعود إلى المشاكل التي عاناها حين قرر دخول التلفزيون، «وتعاطي المجتمع مع العاملين في المجال الفني». يتحدث عن انطلاقته مع الفرقة في برنامج «فرقة كوميديا لبنان»، قبل أن يطلب رشاد البيبي تغيير التسمية. ولأن الأسماء التي كانت شائعة آنذاك هي أبو ملحم وأبو حربة وأبو بسام (على أثير إذاعة لبنان)، اخترنا «أبو سليم».
بعيداً من هموم التمثيل، يجد صلاح تيزاني نفسه اليوم مرافقاً لهموم الممثل بعد فوزه أخيراً في انتخابات نقابة ممثلي المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون. ويستغل مناسبة الحوار للمطالبة بقانون مهني للممثل، مستغرباً كيف تطالب «ثلاثين ألف بائعة هوى في ألمانيا بقانون مهني يحميهن من الدخيلات، ولا يحظى الممثل عندنا بقانون يحميه؟ وأضف إلى ذلك أن الفنانين العالميين يصولون ويجولون ويزورون لبنان ويعودون إلى بلادهم من دون أن يطالبهم أحد بقرش واحد من الملايين التي حصلوا عليها هنا».