حسين بن حمزة
لعل الميزة الأكثر وضوحاً في روايات هاروكي موراكامي هي سعيه إلى كتابة جملة روائية تتخفف من الحمولات التقليدية للرواية اليابانية التي كُتبت بعد الحرب العالمية الثانية. لقد حملت أعمال تانيزاكي وكاواباتا وميشيما عبء سرد الشخصية اليابانية، وأسئلتها الوجودية بعد الحرب. والأرجح أن انتحار آخر اثنين من الثلاثة ليس بلا دلالة في هذا السياق.
تعرف قراء الضاد إلى الرواية اليابانية مع أعمال هؤلاء. «البحيرة» لكاواباتا، و«اعترافات قناع» لمشيما، و«مديح الظل» لتانيزاكي، مثّلت نوعاً من هوية ذاتية للأدب الياباني. ثم وصلنا روائيون آخرون ليقترحوا نبرات وأسئلة أكثر تفصيلاً وإلحاحاً. أعمال كوبو آبي وكنزابورو أوي يمكن اعتبارها تمهيداً حقيقياً ومباشراً لما تناوله موراكامي لاحقاً. حين قرأنا آبي («امرأة الرمال»، «موعد سري») وأوي («مسألة شخصية»، «الصرخة الصامتة») بالعربية، قلنا إن ما نقرأه ليس يابانياً تماماً. كانت تلك الروايات تنحرف بدرجات مختلفة عن السرد الياباني الذي عهدناه لدى الجيل السابق. ولا بد من الاحتفاء بوصول روايتي موراكامي «جنوب الحدود غرب الشمس» و«الغابة النروجية» إلى المكتبة العربيّة. الآن مع موراكامي، نتعرف إلى سرد جديد يدفعنا إلى القول: إن ما نقرأه ليس يابانياً بالمرة، خصوصاً إذا قارنّاه بأعمال الجيل الأقدم. بل وحتى مع أعمال روائيين جاؤوا بعده، مثلما هي الحال في روايات بنانا يوشيموتو ويوكو أوغاوا اللذين نقلهما بسام حجار إلى العربية.
لماذا «ابتعد» موراكامي عن يابانيته المفترضة؟ لعل الجواب متوفر في أعمال هذا الكاتب وسيرته الشخصية. فقد أقام فترات مختلفة خارج اليابان (منها عشر سنوات في الولايات المتحدة)، وكتب معظم رواياته بعيداً عن بلده. الجانب الأبرز في سيرة هذا الكاتب تكمن في أنه تلقى تربية أدبية وثقافية غربية، إلى جانب تكوينه الياباني. تربية تنعكس في ذلك المزج البارع والغرائبي بين عالم الرسوم المتحركة وأفلام الرعب والخيال العلمي. في قصة «ضفدع ينقذ طوكيو»، نكتشف بعض مناهله غير اليابانية: نيتشه، وكونراد، وتولستوي، ودستويفسكي، وكافكا وهمنغواي.
مناخات وثقافات عدة تتدخل في صوغ العالم الروائي لموراكامي الذي اعتبر ـــــ منذ البداية ـــــ أن ولادة كاتبٍ في بلدٍ معين، لا تحصر هويته. وهذا ما دفعه في إحدى مقابلاته إلى القول: «الكتابة بعيداً عن بلدك أسهل. من بعيد يمكنك أن تراه على ما هو عليه فعلاً». هذا يعني أن موراكامي، خلافاً للانطباع الشائع، قد يكون يابانياً أكثر من اللازم.