نور خالد
حلت رغدة ضيفة على رابعة الزيات، لتقسم المثقفين إلى «شرفاء» و«غير شرفاء». وحاورت إيناس الدغيدي ميرفت أمين، فدفعتها إلى اتخاذ مواقف «ملتزمة» ضدّ الرجل... أين ينتهي الالتزام في البرامج الحوارية العربية، وتبدأ العنصرية؟
خلال الأيام الماضية، بدا كأن رغدة قد شدّت بوصلتها صوب الإعلام الملتزم. ظهرت على شاشة «المنار» في الذكرى الأولى لانتصار تموز، ضمن تقارير مصوّرة مع الفنانين المقاوِمين من القاهرة. ثم حلّت أول من أمس ضيفة على شاشة «أن بي أن» في برنامج «سجال» مع رابعة الزيات. على صدرها وسام تكريمي من «الهيئة النسائية الشعبية» في صيدا،وفي جعبتها فيلم توثيقي عن حرب «الصيف الساخن». بدت بطلة «كابوريا» منفعلة كعادتها في إطلالاتها التلفزيونية الأخيرة. يخطئ من يظنّ أنها وجهٌ ظرفي لزوم المناسبات. ففي وقت كانت غائبة فيه عن استوديوهات السينما وخشبة المسرح، كانت هناك، مقيمةً على رفوف كتب التاريخ والسياسة ودواوين الشعر. رغدة اليوم ليست رغدة «كابوريا» ولا «بناتنا في المهجر». إنها أكثر التزاماً وأقلّ ابتساماً. في رمضان الماضي، قدّمت لنا لمحة عن شخصيتها المتوتّرة المهمومة حين استضافها نيشان في «مايسترو». آنذاك، أظهرت ضجرها الكبير من سؤالها عن أمور شخصية «تافهة»، معبّرةً عن كونها إنساناً يعيش في صلب قضايا أمته، وليست فقط فناناً صنعتُه الترفيه. احتدّت في مواجهة نيشان، وقالت له أكثر من مرّة إنّ سؤاله لا معنى له. وأيضاً أول من أمس، واجهت الزيات بعصبية مشابهة: «لا يمكنك أن تختصري تاريخي الكامل في وقت وجيز».
تاريخٌ عنت به نضالاً مارسته في شوارع العريش على الحدود المصرية ـــــ الاسرائيلية، كما في القاهرة وبيروت وبغداد. مشكلة رغدة أنها لا تؤمن ـــــ وفق ما صرّحت ـــــ بالتصنيفات الجاهزة. لكنها تمارس توضيبها ربما في غمرة انفعالها الحميد حيث الوجع والغيرة على ما آلت إليه الأمور في «زمن يعدّ فيه بعضهم الانتصار هزيمة».
هي لا تعترف بوجود مثقف في العالم العربي: «هذه الكلمة تشعرني بخيبة وتعب» لكنّها تعود إلى سلوك مَن نبذتهم من المثقفين حين تبادر إلى تصنيف الناس إلى شرفاء وغير شرفاء. تصنيفٌ متطرّف يبتعد عن النسبية في مقاربة الأمور وفهمها، ويقترب من تبنّي خطاب اللون الواحد الذي قد يصل في حده الأقصى إلى... العنصرية. لم تبادر فيروز مرّة إلى تصنيف الناس، جمهورها المفترض، إلى شرفاء وغير شرفاء. لكن مَن يجرؤ على القول إنها فنانة غير ملتزمة... مات الموسيقار بليغ حمدي، وقد مثّلت رغدة فيلماً عن ظروف نفيه من مصر اسمه «موت سميرة»، وهو لا يعتنق إلا البوهيمية. لكن ذلك لم ينتقص من قيمة التزامه تجاه إنتاج الفرح والجمال وموسيقى التجديد والتحرر. هو بهذا المعنى، كان ملتزماً تجاه حياة الناس وفرحهم... سجن المثقف السوري ميشيل كيلو في زنزانة ضيقة، بتهمة أنّه «مثقف» أولاً و«غير شريف» ثانياً. هل تذكّرت رغدة ميشيل كيلو وهي تبادر، في غمرة انفعالها الملتزم، إلى تصنيف الناس والمثقفين بين شرفاء وغير شرفاء؟ هل انتبهت إلى فخ «العنصرية» الكامن في المنطق التخويني؟ وهل هناك خيط رفيع أو وهمي بين «الالتزام» و«العنصرية»؟ ثم أليس تقبل الآخر شكلاً من أشكال الإبداع؟ وأخيراً هل الدفاع عن عادل إمام بوصفه «رمزاً من رموز الأمة العربية»، على حد قولها ـــــ وقد يجوز التوصيف ـــــ يلغي تقبّل النقاش حول مسؤوليته في إلهاء الشعب المصري والعربي في موضوعات لا تخاطب إلا الغرائز، فيما يموت العقل ونضحك. وكيف تجزم أن مطلقي «شبهة» فنان التنفيس على إمام، ومعه وحيد حامد، ليسوا سوى خونة أو جهلة؟
قريباً من رغدة، تقف إيناس الدغيدي وسط «مأزقها» المستديم في «إلغاء» كل آخر لا يوافق على دعوتها المرأة إلى تحرير جسدها من الأوهام والقيود، تقدم صاحبة «امرأة واحدة لا تكفي» صورة عن المبدع الملتزم بقضية ما، التزاماً متطرفاً يؤدي به الى «استخدام» أدوات القضية لخدمة القضية ذاتها. هذا يعني إخراجياً، أن الدغيدي، كما في «لحم رخيص» و«مذكرات مراهقة» وغيرها... لا تنفك عن استخدام جسد المرأة قماشة سينمائية مثيرة وجماهيرية، بحجة الدفاع عن المرأة ذاتها وحقّها بالتحرّر. تجلد الدغيدي المرأة ـــــ الضحية بذريعة الانتصار لها. تُقحم المخرجة مواضيع المثلية الجنسية والرقيق وأشكال التصرّف بالجسد في حواديت أفلام ضعيفة ومفكّكة أحياناً كثيرة. التزام الدغيدي المُعلن تجاه المرأة، يورطها في «عنصرية» ساذجة في كثير من الأحيان تجاه الرجل. هذا قد يتخلّى عن «هضم» أفلامها، لكن، ماذا إذا تحولت إلى مذيعة؟