سعد هادي
يسجّل الدبلوماسي العراقي نجدة فتحي صفوة في كتابه «حكايات دبلوماســــــية» (دار الساقي) ما يناقض مقولة أنّ حياة الدبلوماسيين لهوٌ بلهو. فبينما ارتبط في أذهان الناس أنّ جالية الدبلوماسيين ــــ كما يصفها المؤلف ــــ طبقة مترفة تنعم بالامتيازات وتعيش على الحفلات، فإن الكاتب يظهر أنّ حياتهم بعيدة كل البعد عن هذه الأفكار المسبقة.
يوضح صفوة الذي عمل في السلك الدبلوماسي طوال ربع قرن، وكاد يكون سفيراً لبلاده في الصين عام 1967، أنّ كتابه عبارة عن حكايات اكتملت فيها عناصر القصة التقليدية، وليست مجموعة قصصية فقط أو مجموعة مقالات أو مذكّرات فقط. يقول إنّه ألمّ بكل هذه الأنواع الأدبية مع صحة في الأحداث والوقائع التاريخية التي يسردها.
يتنقل صفوة الذي أصدر كتاباً عن الماسونية في الوطن العربي عام 1980 في كتابه بين عواصم عديدة من العالم. يكتب عن أحداث شهدها أو سمع بها أو قرأ عنها أو كان أحد أبطالها. ويتحدث مثلاً عن رسالة بُعثت بالخطأ في نيسان (أبريل) 1926 إلى السفارة السوفياتية في لندن. وكانت بلدية ستراتفورد تدعو فيها طاقم السفارة إلى حضور المهرجان السنوي في ذكرى شكسبير. حدث ذلك في ذروة أزمة دبلوماسية بين لندن وموسكو، وكادت الرسالة أن تفاقم تلك الأزمة وتضاعف من مداخلاتها.
ثم ينتقل المؤلف إلى مسرح البولوشوي في موسكو عام 1945 ليروي قصة حب بين دبلوماسي بريطاني وفتاة روسية خلال عرض لباليه بحيرة البجع. ومن خلال قصة الحب تلك، يربط بين تطورات الحرب الباردة ومصائر الأشخاص الذين وجدوا أنفسهم في خضم حرب جديدة، تختلف عن الوسائل التقليدية للحروب، لكنّها لا تقل عنها ضراوةً. ويعود بعد ذلك إلى تركيا ليروي كيف كاد تصرّف أخرق لأتاتورك الثمل في إحدى الحفلات أن يشعل حرباً بين مصر وتركيا. يومها أجبر أتاتورك الوزير المفوض المصري على خلع طربوشه الذي كان حينها رمزاً لكرامة الشخصية المصرية وتعبيراً عن تميّزها.
هكذا، تتعدّد حكايات صفوة وتتنقل بين المدن والأشخاص، فنرى على صفحات الكتاب خروتشيف وحذاءه، ونكتشف أشباحاً في سفارة تونس، ونتعرف إلى هدية ستالين ولمحات من حياة مولوتوف وزير خارجيته في الضوء والظل. ويروي صفوة في الحكاية الأخيرة من الكتاب قصّة الرسالة التي وجّهها بنفسه إلى زوجة نائب الرئيس الأميركي جونسون عام 1963 حين كان قائماً بالأعمال في سفارة بلاده. يومها طالبها بعدم المشاركة في حفلة تقيمها سفارة إسرائيل بمناسبة ذكرى «استقلالها». فيروي كيف أحدثت الرسالة ضجةً في الوسط الدبلوماسي بعد تسربها إلى الصحف، وكيف أدت في النهاية إلى تخلّي زوجة نائب الرئيس عن حضور الحفلة، بحجّة أنّ لديها التزامات أخرى.