راجانا حمية
تاريخ فلسطين الحديث، يكاد يكون في جزء أساسي منه، تاريخ الشتات. والشتات، رحلة طويلة اختصرها كتاب Exodus أو «الخروج» (المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان) الذي أنجزه متطوعون على مدى سنة واجهوا خلالها صعوبة في ايجاد صور نادرة عن فلسطين في سبعينيات القرن المنصرم وثمانينياته. ضم الكتاب صوراً نادرة مع تفسيرات باللغتين العربية والانكليزية إذ أنّه يتوجّه إلى الرأي العام الغربي أيضاً. وجاء عنوانه معبّراً محيلاً الى اسم السفينة المشهورة Exodus التي صارت رمزاً للهجرة المكثفة لليهود إلى فلسطين، هجرة قابلها اقتلاع شعب من أرضه ليعيش الشتات والتيه.
لكن ماذا عن صورة فلسطين كما تجلّت في «الخروج»؟ يلقي المجلّد الضوء على فلسطين بعد النكبة مصوراً واقع اللجوء في مخيّمات الشتات الـ 12، ومركّزاً على المخيمات اللبنانية. وتروي الفصول الأربعة قصة التغريبة بدءاً من رسالة بلفور وصولاً إلى حقّ العودة مروراً بالنكبة والتيه. واللافت في تقديم الفصول أنّه جاء على لسان شهود عيان عاشوا التجربة بكل مرارتها. وقّع النصوص أبناء النكبة، رافقت كلماتهم الشهادات والصور. نشير إلى الشعراء سميح القاسم ومحمود درويش ويحيى برزق وسليمان سلمان.
يفتح الفصل الأول «تحت النار... نحو التيه» على صورة لأطفال مشرّدين أمام خيمة لجوء، تدعمها قصيدة لسميح القاسم: «حملنا جرحنا الدامي حملنا/ وإلى أفقٍ وراء الغيب يدعونا رحلنا/ شرذمات من يتامى/ وطوينا في ضياعٍ قاتمٍ عاماً فعاماً/ وبقينا غرباء/ وبكينا يوم غنى الآخرون». ثم يستعيد خارطة فلسطين الأصلية، وصوراً للمدن الكبرى فيها. لينتقل إلى فلسطين الأخرى التي وُلدت عام 1945 مع «السفينة الأولى التي أنزلت المستوطنين الصهاينة على شواطئ تل أبيب»، ويرصد حياة 140 ألف مواطن لحظة الخروج من فلسطين إلى خيم المنفى اللبناني. في «حياة ما بعد النكبة»، كتب محمود درويش عن «الأحلام المؤجّلة في صبرا»، مختصراً حكاية النكبة التي اختبرها اللاجئون بعد وصولهم إلى لبنان، «بعدما أدرك الجميع أنّ مدّة اللجوء قد تطول، وبعدما تبدّلت الروح الأخويّة التي استُقبلوا بها بجفاء وتضييق أملاهما منظار التوازنات الطائفيّة من المضيفين». ويركّز الفصل الثاني على النكبة الجديدة التي ألحقتها إسرائيل بالفلسطينيين داخل البلد المضيف، «حين قصفت مخيماتهم في النبطيّة عام 1974 وجسر الباشا...». أما في الفصل الثالث «الغربة عن الوطن والحياة»، فكتب يحيى برزق عن «الشعب الملتحف بالأشواك، وقد تداعى عليه الف جزّار.. » ليرصد واقع الأوضاع الرديئة التي يعانيها 200 ألف لاجئ. واستعاد الفصل الرابع «إن ظلّ منّا واحد... سنعود» بالصور شكل «المفتاح» المصادر، مؤرخاً للحق «الذي لا عودة عنه... ولو غدا الدهر جمراً للعودة نعتنق الجمرا».