سوزان هاشم
كثيرةٌ هي الساعات التي يقضيها الأطفال يومياً، مسمّرين أمام شاشات التلفزيون لمشاهدة مختلف أنواع برامج التسلية والكرتون والمسلسلات الخاصة بهم. البعض يرى في ذلك سوءاً وعاملاً سلبياً يُبعد الأطفال عن القراءة ويعزلهم عن الحياة الخارجية، والبعض الآخر يجد في التلفزيون وسيلة لإلهاء الأولاد وتوفير مادة مسلية، وخاصة إذا انعدمت إمكانية تأمين وسائل ترفيهية بديلة. بيد أن الطفل محمد جمّول (10 سنوات) وجد في الجهاز «إفادة» أخرى، إذ شكّل له التلفزيون وسيلة كافية لتعلّم اللغة الإنكليزية المحكية. منذ الرابعة من عمره، ثابر محمد على مشاهدة الأفلام والمسلسلات الناطقة باللغة الإنكليزية وركّز كثيراً على سماعها، فبات يجيدها اليوم بطلاقة، علماً بأنّ أهله لا يجيدون تكلّم هذه اللغة، كما إنه لم يتعلمها في المدرسة، لكون لغته الأجنبية الأساسية هي الفرنسية. هذه الموهبة التي اكتشفت عند محمد باكراً والتي ينفرد بها عن باقي زملائه وأفراد عائلته، بدأت باكتساب اللغة الإنكليزية عن طريق مشاهدة برامج الأطفال التي تعرضها قنوات تلفزيونية أجنبية، إذ كان «يقضي ساعات وساعات من وقته أمامها، مصغياً إليها بصوت عال ومنتبهاً إلى الحركة، وإلى تركيب الكلمات مع الحركة، فاستطاع أن يحفظ اللغة ويفكّ رموزها»، بحسب ما تقول والدته التي فوجئت بابنها مرّة يتكلم الإنكليزية بطلاقة، مردفةً: «في البداية كان يعرف الكلمات البسيطة، وفجأة سمعته يحاور أحد الأقرباء باللغة الإنكليزية وبمصطلحات أجهل معانيها بالعربية، وهكذا كرّت السبحة وأضحى تعلّم اللغات هواية تجذب ابني، وبات محطاً للأنظار في مدرسته ومحيطه. وبالطبع فإن التلفزيون قد لعب دوراً أساسياً في ذلك وخاصة أن ابني ليس مولعاً بالمطالعة». ويسعى محمد إضافة إلى تعميق قدراته باللغة الإنكليزية «المكتسبة» إلى تعلّم اللغة الإسبانية أيضاً من خلال التلفزيون، إضافة إلى معرفة المزيد من المفردات الصينية التي تعرّف على بعضها من خلال ممارسة لعبة التايكواندو. أما محمد فيشرح أنه يطمح لاكتساب المزيد من اللغات الأجنبية «من أجل التواصل مع بقية العالم والحصول على جنسيات أجنبية لاحقاً»، وهو يرى أن «التلفزيون ليس فقط وسيلة يتعلّم منها اللغات، إنما هو منبع للتزوّد بالمعلومات العامة»، فمن خلاله استطاع أن يتعرف عن كثب على تاريخ بلدان العالم ولا سيّما تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وأن يتلقى الكثير من المعلومات العامة العلمية والثقافية. ورغم كل ذلك، فإن براءة الطفولة لا تغيب عن شخصية محمد، فهو «كبقية الأولاد يحب اللعب واللهو. وإذا وظف طاقاته في المستقبل يمكن له أن يستغلّها في مجالات عديدة»، هذا ما تقوله والدته التي تحلم بأن يكون لولدها مستقبل واعد. أما محمد الذي بات، كما يبدو، شديد التأثر بالأفلام الأجنبية التي يشاهدها باستمرار، والتي أضحت تحتل جزءاً مهماً من عالمه الصغير؛ فهو يحلم بأن يصبح مخرجاً في هوليوود أو مترجماً عالمياً.