جورج موسى
في مكتبه في الأشرفية، يجلس ناجي باز وسط رفوف عالية من الإسطوانات. يبدو سعيداً بحركة بيع البطاقات في اليوم الأول من فتح شباك التذاكر لعروض مهرجانات «بيبلوس» التي أعلن عنها في اللحظات الأخيرة. رهانه كان صعباً هذا العام، وعاش توتراً شديداً بعدما انسحب بعض الفنانين، مثل مغنية الجاز الأميركية مادلين بيرو. يُغلق قاموساً عن الروك... يبتسم: «التفاؤل أهم مقومات المنتج الموسيقي. بعد عشرين عاماً في المهنة، تعلّمت أن أعيش مع القلق. الأيام التي تفصلني عن ساعة الصفر، من أمتع اللحظات وأكثرها إرهاقاً أيضاً».
في الثامنة عشرة، سافر لدراسة العلوم السياسية في فرنسا، فوجد نفسه في عالم الإعلانات. لفت النظر عبر حفلات «روك» نظمها في باريس. في عام 1990، احتل منصباً مهماً في شركة Polydor التي تنتج جوني هاليداي وستينغ. «دخلتُ عالم الموسيقى وأنا لا أعرف الكثير عن تقاليده». بعدها بأربع سنوات عاد إلى لبنان: «فور وصولي، اتصل بي صديق هو كريس دي بيرغ، وطلب مني أن أنتج حفلاته في الشرق الأوسط. وكانت أول حفلة نظمتها في لبنان، وحضرها 18 ألف شخص».
تلك الحفلة غيّرت صورة لبنان الخارج من حرب دامية. بعدها كرت السبحة: Scorpions، بول عنقا، شارل أزنافور... وفي 1997، بدأ التعاون مع «مهرجانات بعلبك» العائدة لتستعيد هالة فقدتها قبل 22 سنة. خلال تلك السنوات الذائقة العامة تغيرت، والعروض الكلاسيكية لم تعد تكفي. هذا ما فهمه ناجي بسرعة: «جئنا بستينغ، وبوينا فيستا وجوني هاليداي، وصولاً إلى Massive Attack، أكبر إنجاز في مشواري». في 2003، بدأ تعاون باز مع جبيل مسقط رأسه، وصار الأولوية المطلقة بالنسبة
إليه.
هذا الرجل أحدث ثورة حقيقية في برمجة المهرجانات اللبنانية، كيف يركّب برمجته؟ يكشف لنا بعض أسرار المهنة: «جمهورنا يحب التنويع، لا يمكن أن تخصص مهرجاناً كاملاً لنوع موسيقي واحد».
وكل شيء يبدأ من متابعة حركة الإنتاج في العالم، ومراقبة الجولات العالمية، وخصوصاً حين تمر في المنطقة: «فنانو العالم يغريهم اسم بيروت الأسطوري، المدينة تحيط بها هالة خاصة... وجمهور لبنان مطّلع ودقيق. والأهم أنه يقدّر الموسيقى. وهنا يكمن سر تفوق بيروت على دبي، حيث تتخذ العروض طابعاً تجارياً صرفاً». وينفي باز وجود أي منافسة بين بيروت وتل أبيب، علماً بأن فنّانين كثراً فضلوا لبنان على إسرائيل مثل ستينغ.
لكن الوضع تغيّر اليوم. يقول ناجي بأسف:«هناك فنانون يرفضون زيارة لبنان. أعلم أننا نخوض مجازفة هذا الموسم. لكننا نراهن على حبّ اللبنانين للفرح ورفضهم للهزيمة. لا أعرف حتى الآن لماذا ألغت بقية المهرجانات عروضها، وخصوصاً أن معظم النجوم لم ينسحبوا». ويضيف: «إذا جرت الرياح عكس ما نشتهيه، فسنعاود الكرّة العام المقبل... هذه مهنتي والمجازفة جزء أساسي منها».