عمّان ــ نوال العلي
حتى الأمس القريب كان المسرح الجنوبي، وحفلاته الشبابية، المصدر الأساسي لحيويّة «جرش»... لكن الوضع تغيّر هذا العام، فالجمهور رفض دخول الحفلات حتى مجاناً. فكيف الحال، وقد أوكلت مهمة التسويق في فلسطين إلى شركة... إسرائيليّة؟
على خشبة مسرح المدرج الجنوبي التي وقف عليها خمس مرات سابقاً، غنّى هاني شاكر مساء الجمعة الماضي، عدداً من أغنياته الجديدة والقديمة. وقد شدا «فينك من بدري» التي بدا من خلالها، ناطقاً بلسان حال الناس: «فينك من بدري يا هاني»! فبعد انتظار دام ساعتين، خرج شاكر إلى مدرج شبه خال. هناك، كان الحضور الذي دخل في غالبيته مجاناً، يتذمّر ويهتف: «قاعدين ليه ما تقوموا تروحوا»... ولأن المطرب المصري خشي أن يقدم وصلته أمام الكاميرا من دون جمهور، اشترط قبل الغناء، إيقاف التسجيل التلفزيوني. ما استغرق وقتاً طويلاً من الأخذ والردّ بينه وبين إدارة المهرجان التي بدا عليها الارتباك واضحاً، فصُوّرت الحفلة من دون أن تعرض مباشرة على أثير التلفزيون الأردني (كما تجري العادة). وقد طلبت الإدارة من الصحافيين «مراعاة ظروف الفنان، والخروج من الكواليس، لأنه لا يرغب في رؤية أحد». لكن إخفاقات «جرش»، لم تتوقف عند حفلة هاني شاكر فحسب، ويبدو أن المهرجان الذي يحتفي بيوبيله الذهبي، يواجه أصعب أيامه. كيف لا، وقد بدأت أولى حفلات المسرح الجنوبي مع حضور قليل، جاء ليستمع إلى فرقة «أوزماتلي» الأميركية. وقد برر بعضهم ذلك بعدم تذوّق الناس لمثل هذا النوع من الموسيقى.
القصة لم تنته هنا، فسوء الطالع طارد حفلة لطيفة التي غنت أول من أمس لجمهور لم يتجاوز الـ600 شخص (يتّسع المدرّج لـ4 آلاف). وقد دخل معظمهم مجاناً بعد إلحاح من القائمين على المهرجان، وتلكؤ الفنانة في الخروج ساعتين أيضاً، لعلّ المدرّجات تمتلىء بمعجزة ما، فتحفظ للفنانة والمهرجان ماء الوجه.
وعلى رغم أن الشركة الراعية للحفلة وزّعت ألف بطاقة مجانية في عمّان لحضور السهرة، وباعت فعلياً خمسين بطاقة فقط، لم يحضر معظم هؤلاء بسبب الطريق الوعرة، وتأخّر الإعلان عن الدخول المجاني لحفلة الفنانة التونسية التي اشترطت أن يمتلئ المسرح بما لا يقل عن ألفي شخص. لكنها سرعان ما رضخت للأمر الواقع، واضطرت إلى الغناء محرجةً، فلم تتجاوز مدة حفلتها ساعة وبضع دقائق، فيما كان من المقرر أن تغني لساعتين. وعندما سألنا لبنى الفار، مديرة المهرجان بالوكالة، عن سبب تأخّر هاني شاكر عن حفلته التي كان من المفترض أن تبدأ عند التاسعة مساء، لكنها انطلقت عند الحادية عشرة، عزت ذلك إلى «عطل في أجهزة الصوت». كما بررت غياب الجمهور عن فعاليات «جرش» عموماً، إلى تزامن العروض مع الانتخابات البلدية، ونتائج الثانوية العامة، ما يؤثر في اهتمامات الجمهور الأردني. واعترفت بضرورة تغيير الخطة الإعلامية للأيام المقبلة، وخصوصاً أن مدرّجات المسرح الجنوبي تخلو من الحفلات في الليالي الثلاث المقبلة. ورأت أن شركة «الجسر الذهبي» التي تعاقدت مع إدراة المهرجان لتسويق حفلاته إعلامياً لم تفهم «آلية المهرجان». من جانبه، ألقى مدير التلفزيون الأردني فيصل الشبول اللوم على إدراة المهرجان التي لم تتعاقد حتى اليوم مع أي محطة فضائية لبث الحفلات، مشيراً إلى صعوبة نقل التلفزيون مباشرة على الهواء، لحفلات تبقى فيها المدرّجات خالية!
على أن عزوف الجمهور عن الحفلات لم يكن هو القشة التي قصمت ظهره، فـ«جرش» يواجه أزمة ثانية، هي غياب ملحوظ لفلسطينيي 48 عن السهرات الأولى. وكانت شركة «الجسر الذهبي» التي تكفّلت الترويج للمهرجان في أراضي 48، قد نشرت إعلانات في الصحف الإسرائيلية، استعملت فيها شعار «جرش» مع شركة «بوبليسس سيكتورز» الإسرائيلية، وذلك من دون علم أو موافقة خطية من جانب المهرجان. ورأت الفار أن العقد باطل، مشيرةً إلى أن إدارة المهرجان التي تمثّل هيئة وطنية هي من يختار الشركات التي تتعاقد معها. وأكدت أن «الجسر الذهبي» لم تستشر الإدارة، حينما قررت التعاون مع الشركة الإسرائيليلة، علماً بأنها (أي الإدارة) تلاحق المسؤولين عن نشر الإعلان قانونياً». وأصدرت الفار تعليمات لمنع منح أي امتياز حصري في بيع التذاكر في أراضي 48... لكن هل هذا يعني أن جمهور فلسطين قاطع المهرجان؟ تستبعد الفار هذه الافتراضية، مشيرة إلى أن العروض الأولى قد تكون بعيدة عن اهتماماتهم. ويبقى السؤال: لماذا يغيب الجمهور عن السهرات؟ هل هو خطأ في البرمجة، أم الاعتماد على أسماء شاركت مراراً في الحفلات؟ وكيف ستكون سهرات وديع الصافي، كاظم الساهر، وحسين الجسمي، وغيرهم؟