عبد الغني طليس
شيء ما في مواقف الممثلة ورد الخال حيال تجربتها على الشاشة الصغيرة درامياً وكوميدياً (على رغم قلّة أعمالها الكوميدية)، يقول إنها غير راضية، بل غير مطمئنة الى أنّها ستحقق في المستقبل القريب كثيراً من أحلامها الفنية. منذ البداية، وُضعت ورد في نوعية معينة من الأدوار التي تسند إلى عارضات الأزياء أكثر مما تسند إلى الممثلات المحترفات. لم يتنبّه الكتّاب والمخرجون، في مطلع حياتها الفنية، إلى الإمكانات الحقيقية التي تملكها هذه الـ «ورد»... أخذوها شكلاً جميلاً وراحوا يقدّمونها في صورة المرأة الخارجة على التقاليد، المنحرفة غالباً. حتى كاد الجمهور يعتقد أنّ ورد الخال ليست إلا هكذا، أدائياً. ما حتّم عليها في عدد قليل من السنوات أن تقف ضد هذا الإيغال في إيذائها فنياً عبر إهمال طاقاتها الأدائية. فرفضت ما كان يعرض عليها من الأدوار المماثلة. قالت: كفى! وغامرت حين راحت تمتنع عن أداء تلك النوعية من الأدوار في أكثر من مسلسل حتى أفلحت أخيراً في إقناع من يهمّهم الأمر بأنها ليست شكلاً للعرض، بل ممثلة. وقد وجدت بعض الأدوار الأخرى طريقاً إليها إلى حدّ أن الكتاب والمخرجين في الأغلب نسوا أنّها كانت عارضة أزياء.
المهم أنّ ورد الخال «أعلنت حياة» أخرى لها، أدائياً، عبر بعض الشخصيات الدرامية الجيدة التي لعبتها في الأعمال اللبنانية، وبعض الدراما التاريخية العربية. وكشفت عن قدرات تتجاوز مألوف الممثلات العاديات، وخصوصاً حين كانت تمثّل تحت إدارة مخرجين متمرّسين، استطاعوا نفض غبار «المظهر» عنها، وجعلوها تتحسَّس باطن الأشياء والمواقف. ولعلّ هذه النقطة هي الأدقّ في حياة ورد الخال كممثلة: المخرج المبدع صاحب الخبرة يضيء أمامها الطريق فتعبر بسلام. أما المخرج المتعجّل فيوقعها في مصيدة النقد.
لكن، ما هي مسؤولية ورد في ما يجري لها؟ ليس المخرجون، وحدهم، يسألون عن ذلك الفارق الشاسع بين عمل درامي ـــــ من بطولتها ـــــ هنا، وعمل درامي هناك، وشخصية هنا وشخصية هناك... بعضهم يرضى بأن يقدّر ممثلوهم ما يشاؤون، وعلى كيفهم، أسلوب الأداء الذي يرغبون. وهنا، تحدث أخطاء أساسية وجذرية. أما بعض المخرجين الآخرين فيتدخّلون في كل تفصيل، ويشاركون في وضع التصور التنفيذي للشخصيات المرسومة مع الممثل. ورد، بهذا المعنى، مسؤولة عن نفسها عندما تعمل مع مخرج لا يعطي اهتماماً دقيقاً لأداء الممثلين، وجلّ اهتمامه يتركز على الكادر والصورة والتقطيع المشهدي. مسؤولة عن اسمها، وعن تجربتها، وعن إضافة جدية إلى مسيرتها. كأنما مطلوب من الممثل اللبناني وفي كثير من الحالات، أن يكون مخرجاً أيضاً، يتخيّل المشهد، يوازن بين أدائه وأداء الممثلين أمامه أو حوله، ويعرف أين نقاط قوته فيطلقها، وأين نقاط ضعفه فيخفيها أو يعمل على تلافي صعودها الى السطح. عينُ الممثل، في أغلب الأعمال الدرامية اللبنانية، وأحياناً العربية، مجبرة على أن تكون عين مخرج، على الأقل على نفسه. وورد الخال، في هذه النقطة بالذات، لم تتمكن من تكوين خاصية جيدة. تذهب في أداء بعض الشخصيات مذهباً ارتجالياً. ومن مشهد الى آخر، يبرز إتقان هناك واستخفاف هناك، حتى تفقد القدرة على تصنيفها ممثلة متقنة أم ممثلة مستخفة. إنها حيرة في عين الناظر إليها، تشبه حيرتها الشخصية في فهم الدور وتركيبته، وتشبه حيرة الممثلة فيها في أسلوب الأداء بين عميق وسطحي. لذا، ينبغي عموماً ألا تتكّل على المخرج كثيراً لأنه ينشغل عنها بأمور مهنية في مسلسله، وينبغي ألا يتّكل عليها المخرج كثيراً لأنها قد تتراخى مع نفسها، فتضرب نفسها والمسلسل! هل ورد الخال حقاً غير راضية وغير مطمئنة؟ الجواب: نعم، وخصوصاً في دفاعها المستميت عن نفسها التي تحدّثها عن أحلام كبيرة، يبحث عنها جيل بكامله!