دمشق ــ خليل صويلح
خسر معاركه مع المؤسسة الرسميّة، واختار الانسحاب احتجاجاً على غياب النزاهة. الممثل السوري البارز ترك وراءه «النقابة» و«مؤسسة السينما»، وقرر الاكتفاء بالدراما. من يعيد إلى الساحة الفنيّة شيئاً من «الأوكسجين النظيف»؟
يعترف بسام كوسا أنه رجل المعارك الخاسرة بامتياز. خلال السنوات الأخيرة، خاض الممثل البارز أكثر من معركة، في سبيل تأصيل العمل المؤسساتي في الوسط الفني السوري. وذلك، إيماناً منه بأن أي عمل فني أو ثقافي، لا يمكن أن ينمو وينهض بشكل صحيح، إذا لم يقم على صراع الأفكار والسجال الحيوي. لكنه قرر أخيراً الانسحاب إلى الخطوط الخلفية، والتفكير بخلاصه الفردي. يقول ذلك بأسى، محاولاً ترتيب أوراقه على نحو آخر لمواجهة «أعداء شرسين»، وحال من الفوضى، أفقدت المناخ الفني «الأوكسجين النظيف والمعارك النبيلة».
هكذا خسر معركة انتخابات نقابة الفنانين التي جرت منذ أشهر، ليكتشف أن النزاهة وحدها لا تحمي الفنان، وأن احتضانه لمشروع ثقافي وإصلاحي لم يعد كافياً. إنما عليه استخدام أسلحة أخرى، بدءاً من الدخول في متاهة العلاقات العامة، و«الضرب من تحت الحزام»، والارتباط مع جهات غامضة. ولم تنته المسألة عند حدود المنافسة، بل طاولته شخصياً باتهامات وادّعاءات، حاولت الإساءة إلى منجزه الفني بأكمله. قبلها، وجد بسام كوسا نفسه في معركة أخرى، حين وصفته إدارة المؤسسة العامة للسينما بـ «مريض نفسياً، يحتاج إلى علاج». وذلك إثر حوار صحافي اتهم فيه المؤسسة بالبيروقراطية والفوضى، والمصالح الشخصية الضيّقة. يقول مستنكراً: «لا أريد أن أدخل في معارك جانبية، تديرها زمرة من غير المثقفين والمبدعين... لم أتصور أن يصل الحوار يوماً إلى هذا الدرك، حتى لا أقول الانحطاط. كنتُ أعتقد أن المسألة تدخل في باب وجهات النظر، وإذا بها تتكشف عن عداء شخصي، وإقطاعيات ثقافية وفنية، تتحوّل فيها المؤسسة نفسها إلى مزرعة شخصية لمديرها وحاشيته».

فضاءات ضيّقة

بعيداً من المعارك، لا ينكر بسام كوسا الذي انتهى أخيراً من تصوير دوره في الجزء الثاني من مسلسل «عصر الجنون» مع المخرج مروان بركات، صعوبة أن يجد الممثل دوراً يتقاطع مع قناعاته الفكرية والحياتية. وهو في حال انتظاره مثل هذا الدور، سيضطر إلى الجلوس في منزله طويلاً. ويوضح فكرته قائلاً: «لا يحتمل العمل التلفزيوني مقولات كبرى. لكن من المؤسف ألا تشتبك نسبة كبيرة من الأعمال التلفزيونية المقترحة، مع الواقع بعمق. هي غالباً ما تكون ملفّقة، أو مقتبسة عن دراما أجنبية، ما يفقدها رائحة البيئة المحلية، وقيم المجتمع العربي».
درس بسام كوسا النحت في كلية الفنون الجميلة في دمشق. وحين اتجه إلى العمل في السينما والتلفزيون، ظلت فكرة نحت الشخصية وصقل ملامحها وتشذيب عيوبها السردية وتوضيبها، تلازم أدواره. هكذا لعب شخصيات متباينة في ملامحها وسلوكياتها، من دون أن يضعها في قوالب جاهزة أو نمطية، إنما كان يخضعها لاختبارات مهنية قاسية، كي تظهر بالشكل الذي يعتقد أنه يشبهها في الحياة: نصّار في «الخوالي»، الإدعشري في «باب الحارة»، عبد الرحمن الكواكبي في فيلم «تراب الغرباء» إلى دور الصحافي في «الانتظار». ولهذه الأسباب أيضاً، رفض أن يلعب شخصية صلاح الدين الأيوبي حين وجدها على الورق، منزّهة من الأخطاء، وأقرب ما تكون إلى الشخصيات المقدّسة. ويشير إلى جملة نقاط يعتبرها أساسية في قبول الدور أو رفضه: «بصرف النظر عن البعد الفكري للعمل، هناك خيارات تخضع للهوى بمنطق أحب أو لا أحب. المسألة وجدانية أولاً، ثم يأتي دور العقل». ويضيف موضحاً: «السؤال الجوهري في قبول دور أو رفضه هو: هل أصلح لهذا الدور أم لا؟ وإذا كانت الإجابة نعم، يأتي السؤال عن مخرج العمل والجهة المنتجة... أنا لم أختر هذه المهنة بصفة سائح».

المتعة أولاً

لكن ألا تعتقد أن الدراما السورية تعاني من ندرة كتّاب السيناريو المحترفين؟ يوافق بسام كوسا أن النص الجيد بات عملة نادرة. لكن الساحة لا تخلو من مفاجآت بين فترة وأخرى، ويضرب مثلاً على ذلك نص مسلسل «الانتظار» الذي كتبه حسن سامي اليوسف ونجيب نصير، وأخرجه الليث حجو. ويقول مستدركاً: «الدراما جزء من حراك اجتماعي شامل. وحين يعيش مجتمع ما قيماً متخلفة، لا بدّ أن تنعكس هذه القيم على الإبداع نفسه. لذلك، من الخطأ أن ننظر إلى الإبداع والنقد والفن عموماً، بمعزل عن الشرط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي».
في النهاية، يؤكد بسام كوسا أن بوصلته إلى الشخصية التي يلعبها هي المتعة والمهارة في تجسيدها، وشرط المتعة هو الحب: «إن أداء أي شخصية من دون جرعة حب، سيكون ناقصاً. المتعة هي الحصن المنيع للممثل». ويستدرك قائلاً: «أحياناً، أجد المتعة في بعض المشاهد. أما إذا افتقد إليها العمل، فإنني أرفض الدور قطعياً». ويرى أن الموهبة وحدها لا تكفي لصناعة ممثل جيد، فهي «تحتاج إلى وقود، وإلا سيكون مصيرها الصدأ حتماً، وتتحول إلى خردة».