الجزائر ـــ الياس مهدي
في عزّ أزمات المجتمعات العربية، ووسط حالة القنوط التي تطارد شعوبها، تنطبق على معظم الفضائيات العربية مقولة: «الشعب في واد... والفضائيات في واد آخر»! عندما تشتدّ ضراوة المواجهات في فلسطين أو لبنان أو العراق، يعلو صوت الموسيقى وتكثر الأفلام الترفيهية، بحجّة أن المشاهد ملّ الأحزان! وحينما تتعالى الأصوات المطالبة بالإصلاح، تسارع الفضائيات إلى «اجترار» نقاشات مملة من قبيل «ضرب المرأة»، أو «كيف تختارين زوجك»، وغيرها من المواضيع التي يتّسم النقاش فيها عادةً بالسطحية. ولا يخرج المشاهد منها بحلول ملموسة، بقدر ما يتابع جدلاً بيزنطيّاً، ومحاكمة ترفع المسؤولية عن الأنظمة وتتّهم الشعوب بـ«الجهل» و«قصر النظر»!
هل تهدف هذه البرامج إلى إلهاء الناس عن القضايا المصيرية؟ بعيداً من نظرية المؤامرة، يبدو هذا واضحاً من خلال فورة برامج «الترفيه» التي تغزو الشاشة الصغيرة. وفيما انحصرت المنافسة في البرامج الإخبارية بين «الجزيرة» و«العربية»، راهنت باقي القنوات على البرامج الترفيهية المخصّصة للشباب، و«تلفزيون الواقع» الذي رفع شعار «إسقاط التابوهات»، والبرامج الحوارية التي تدعو إلى التغيير. وحملت هذه البرامج عناوين مثيرة من «المتعة الجنسية لدى الزوجين»، إلى «العادة السرية» و«الجنس قبل الزواج»... وغيرها من المواضيع التي تطرح أسبوعياً في برامج «آدم» و«كلام نواعم»... وأخيراً «إمرأة وأكثر» الذي يعرض منذ مدة قصيرة على «ال بي سي». هذه المرة، رفعت الفضائية اللبنانية التي تغازل المشاهد الخليجي منذ سنوات، سقف الجرأة. وجاءت بهيفاء المنصور، أول مخرجة سعودية، لتفتح نقاشات حسّاسة حول مشاكل مواطناتها، وظواهر تنتشر في مجتمعها لطالما مثّلت جوهر الانتقادات المحرجة لنظامها. هكّذا سلط البرنامج الضوء على قضايا لم تجد طريقها يوماً إلى التلفزيون الرسمي السعودي، مثل «المرأة السعودية والقيادة»، «العنف ضد المرأة السعودية»... أما مناقشتها فلم تخرج عن السطحية التي باتت علامة فارقة في مثل هذا النوع من البرامج. في الحلقة التي ناقشت «منع المرأة السعودية من القيادة»، نجحت المنصور في «استفزاز» ضيوفها، عبر حثهم دون جدوى على تقديم دليل ديني يمنع المرأة السعودية من قيادة السيارة. لكن الضيوف تمسكوا بالتقاليد لتبرير المنع. وحينما سألت المنصور: «ما الجدوى من تعلّم السعودية القيادة في حين تمنع من ممارستها؟ أجابتها انتصار فلمبان، رئيسة شؤون المرأة والأسرة للسلامة المرورية: «نحن نعلّمها القيادة لوقت الضرورة، كأن تكون حاملاً مثلاً وتضطر إلى قصد المستشفى في غياب زوجها، دقائق قبل المخاض!».
أما في الحلقة المخصّصة للعنف ضدّ المرأة السعودية، فرفض أستاذ علم الاجتماع محمد العتيبي الحديث عن وجود «ظاهرة» بل «حالات منفردة»، مدافعاً بشراسة عن القيم والتقاليد التي قد تدفع بالرجل إلى ضرب زوجته. أما الدكتورة هناء المطلق، عضو جمعية حقوق الإنسان السعودية، فأكّدت «أن ظاهرة ضرب المرأة في المجتمعات العربية، وخصوصاً في السعودية، هي أقل بكثير مما عليها الحال في الغرب!».
لماذا تناقش مواضيع خاصة بالواقع السعودي على الفضائيات العربية، من دون الحديث عنها في القنوات الرسمية؟ أوَ ليست مفارقة أن تقدم هذه المحطات، المموّلة في معظمها من رأس مال خليجي، برامج وأفلاماً ممنوعة في الخليج؟ والسؤال الأهم: هل هذه هي حقاً اهتمامات الشباب العربي الذي سئم الأخبار الحزينة؟.
قد تكمن الإجابة في شاشة أخرى: «الجزيرة» مثلاً التي تفتح هذه الأيام نقاشاً حول رأي المواطن العربي في نكسة 1967 بعد مرور أربعين عاماً عليها. كشفت المحطة عن واقع مضحك ومبكٍ في آن لعلاقة المواطن العربي، وخصوصاً الشباب، بتاريخه. وقد يكفي اعتراف أحد الشباب الإماراتيين المثقّفين بجهله تماماً لحدث اسمه النكسة، وعدم سماعه عن هزيمة الجيوش العربية أمام إسرائيل في «حرب الأيّام الستّة».