مدينة فاس المغربية تكرم في هذه الأيام جلال الدين الرومي، وتعيش على وقع الموسيقى الصوفية وتتابع إيقاع النقاشات الحادة عن العولمة التي تهدد الهويات الثقافية. فقد انطلقت الدورة الـ 13 لـ«مهرجان فاس للموسيقى الروحية العالمية» يوم الجمعة الماضي وتستمر إلى العاشر من الشهر الجاري.الجمهور موزع بين ساحة قصر باب المكنة حيث تُحيا الحفلات الكبرى و«الليالي العربية»، وحول السنديانة المعمرة في حدائق البطحاء لمتابعة حفلات خاصة، فيما يذهب جمهور المحاضرات لمتابعة «لقاءات فاس» التي تنتهي اليوم، وقد شارك فيها سياسيون ومثقفون ورجال أعمال مغاربة وعرب وأجانب، وتم (حتى أمس) التركيز على مهاجمة العولمة النيوليبرالية. المغنية الأميركية باربارة هندريكس كانت نجمة حفل الافتتاح، إذ قدمت برفقة المجموعة البارونية لدورتنغورم السويدية أنشودة آلام المسيح وأناشيد أخرى.
الأهم أن المهرجان يحتفي هذا العام بجلال الدين الرومي، إذ يصادف عام 2007 ذكرى مرور 800 عام على ولادة هذا الشاعر والمتصوف الإسلامي. وفي إطار برنامج تكريمه، ستحضر إلى فاس «الطوائف الصوفية التركية» ـــــ أو أخويات الطريقة القادرية ـــــ لتحيي مساء الأربعاء المقبل أمسيات ذكر وسماع من تراثه، كما تكرمه الفنانة السورية وعد بوحسون.
«روح الزمان... وعبير المكان» شعار هذه الدورة، وبرنامج الحفلات في فاس غني هذه في الدورة أيضاً حيث تشارك نحو 35 فرقة فنية في الحفلات الرئيسية.
في مدينة بارزة على خارطة المدن التراثية والأثرية، يصعب ألا يتناغم الجمهور الذي يتقاطر بعضه من مختلف دول العالم مع الموسيقى الروحية، ومع نجومها، فتطل على مسارح المهرجان «بنات الحوريات» الآتيات من مراكش المغربية لتقديم الغناء «الهواري»، وستحيي باريسا ومجموعة داستا الإيرانية حفلتان، كما ستكون الموريتانية عائشة بنت شيغالي من نجمات المهرجان، والختام مع مجموعة لندن للغوسبيل، وتسبقها الجوقة الغريغورية الآتية من لشبونة.
ومن الليالي المنتظرة تلك التي ستحييها مساء الأربعاء أيضاً التونسية سونيا مبارك والجزائرية بهيجة رحال والمغربية فدوى الملكي اللواتي سيقدمن أغاني عربية أندلسية.
لأصحاب المواهب الشابة من أبناء فاس مكان في المهرجان، حيث تتيح لهم النشاطات الموازية للحفلات فرصة الإطلال على الجمهور على خشبة مسرح في باب بوجلود.
ويحتدم النقاش في فاس خلال المهرجان، فالمشاركون في اللقاءات بمعظمهم يحذرون من تأثيرات «العولمة المتوحشة» على الإنتاج الثقافي، ويدعون إلى ضرورة حماية الهويات المحلية وثقافاتها. أول من أمس تحدث رئيس الهيئة الفرنسية للتنمية فرانسوا روبير عن مخاطر العولمة، فاشتعلت الصالة بالتصفيق ترحيباً بكلامه. وهاجم الكاتب التركي نديم غورسيل ساسات الغرب الرامية إلى رفض هويات الدول الأخرى. أما مدير قسم الفنون الإسلامية في متحف متروبوليتان في نيويورك مايكل باري فقد كانت له رؤية متفائلة إذ قال: «رغم كل المآسي التي تسببها العولمة فإن الثقافة لا تزال تجمعنا». ويرمي منظمو المهرجان إلى التوصل من خلال «لقاءات فاس» والنشاطات الأخرى إلى التفكير في «صلة الربط بين الحداثة والقيم المرتبطة بالإيمان والثقافة والانتماء والتراث الوطني»، وفق ما قالت مديرة المهرجان نعيمة تغمواتي.