بيار أبي صعب
جيل الـ 67 يبقى على حدة في التاريخ الفكري والثقافي العربي. إنه جيل الأحلام المجهضة، شهد كل الانهيارات، وكان شريكاً فيها. واليوم نستعيد النقاشات القديمة، فينتابنا نوع من الحنين الممزوج بالمرارة. كل شيء يمضي نحو الأسوأ في هذه الأمّة العظـــيمة. من حلم التغيير والتنوير، إلى مشاريع المحافظة والسلفيّة. الصراع الطبقي ترك مكانه للفتنة المذهبيّة، وها هي النخبة المتنوّرة تتمسك بـ «الامبرياليّة»، خشبةَ خلاص من جحيم التخلف والديكتاتوريّة والأصوليات.
البُنى السياسية والفكرية التي أنتجت «نكسة حزيران»، تفاقم إفلاسها وأمعنت في انحطاطها. والنخبة الثقافيّة استقالت، أو تواطأت، أو غيّرت وجهتها، واستبدلت برهاناتها السيزيفيّة مشاريع براغماتيّة أكثر فردية، وأكثر تواضعاً. القصائد نسيناها، والروايات لم نعد نقرأها، والأصوات التي دعت إلى التغيير تصرخ اليوم وحدها في القفار. ننظر اليوم إلى الفورة الأدبية والفنية التي أحدثتها النكسة كنوع من العصر الذهبي. نحنّ إلى زمن نعى لنا نزار، في هوامشه الشهيرة على دفتر النكسة، «اللغةَ القديمه/ والكتبَ القديمه (...) / ومفرداتِ العهرِ، والهجاءِ، والشتيمه / (...) نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمه».
في أفلام الفيديو التي قاربت حرب تموز 2006، وعرضت في بيروت وخارجها خلال الأشهر الأخيرة، بحثنا عن صورة الغزاة، فلم نتبيّنها إلا بصعوبة. الفنان الشاب لا يرى العالم، إلا من خلال خزانة ثيابه. الهزيمة قبل أربعين عاماً كانت بسبب غضب السماء، واليوم ننتصر على الظلم بمساعدة السماء.
استعادة «النكسة» محاولة لترويض يأسنا. مجرد تمارين على الهزائم الآتية...