مهى زراقط
ما سرّ تجاهل وسائل الإعلام، بشكل عام، لنشاطات الجمعيات الأهليّة؟ هذا السؤال طغى على ورشة العمل التي نظمتها جمعية مجريّة تعنى بقضايا الديموقراطية (ICDT)، وضمّت مشاركات من لبنان... وتمارين على «محو الأمية الإعلامية»

فجأة ارتفعت حدّة النقاش، بعد يومين هادئين من بدء الورشة التدريبية التي تُعنى بتنظيم الحملات المطلبية. المشرفان على المحترف، لينا علم الدين ونيبوجا راديتش، تفهّما سبب التوتر: «الموضوع مثير ويستحق الاهتمام». نحن في بودابست، في واحدة من ورشات العمل التدريبية التي نظمها «مركز التحوّل الديموقراطي»، وضمّت إعلاميات وحقوقيات وناشطات في جمعيات أهلية من لبنان.
تطرق البحث إلى علاقة منظمات المجتمع الأهلي بوسائل الإعلام، هذه العلاقة التي تتسم غالباً بسوء التفاهم، بل بغياب التواصل بين الطرفين. ومركز ICDT (منظمة مجريّة تعنى بنشر الديموقراطيّة في العالم، ممولة من الأمم المتحدة وحكومات ومؤسسات دولية)، خصّص جزءاً من برنامج الدورة، لبحث أسباب تلك الهوّة. جلسة كاملة تناقش خلالها اعلاميون وممثلات المجتمع الأهلي في طبيعة التغطية التي تطلبها الجمعيات، والطريقة التي تتناول فيها الصحافة نشاطاتها. وكان الهم منصباً على ايجاد سبل تواصل أفضل مع الإعلام، انطلاقاً من كون «الوسيلة الإعلامية هي الطرف الأقوى في العلاقة، وعلينا نحن أن نتأقلم معها لا العكس».
تنطلق الجمعيات الأهلية وهيئات العمل الاجتماعي من خلفيتين في نقد تعاطي وسائل الإعلام مع نشاطاتها: الأولى أن الإعلام لا يهتمّ بهذا النوع من الأخبار... والثانية أن سيطرة جهات سياسية على وسائل الإعلام، تقف حائلاً دون تغطية نشاط معيّن، على جانب من الأهميّة، إذ يتم التعامل على أساس الخلفيات السياسية. تشكو جنان ضومط، مثلاً ، من غياب الصحافيين عن تغطية المؤتمرات الصحافية التي تدعو إليها جمعيّة «السلام الدائم»: «في أحسن الأحوال ترسل الصحيفة مصوّراً، أما مراسلو القنوات التلفزيونية فلا يحضرون أبداً». وتقول عبير عبد الصمد (وزارة الشؤون الاجتماعية) إن الصحافة لا تهتم بالأخبار الاجتماعية ولا تعنيها تغطيتها.
لكن الصحافيات المشاركات رفضن تلك المقاربة للمعضلة. فأكدت ناجية الحصري (صحيفة «الحياة») أهمية الأخبار الاجتماعية بالنسبة إلى الصحف التي تهتم بالقصة وتبحث عنها. الخلل برأي الصحافيات يكمن في مكان آخر: الخلفية التي تنطلق منها الجمعيات في علاقتها بالصحافة، إذ «تطلب نشر خبر صغير عن مؤتمر معيّن، علماً أن الأهم قد يكون نشر قصة تسلّط الضوء على الحملة التي ينظّم من أجلها المؤتمر». وقدّمت الاعلاميات المشاركات مجموعة من الإيضاحات حول الظروف المحيطة بعملهن: «بدءاً بالحصول على موافقة من المؤسسة الإعلامية من خلال الاتصال بأصحاب القرار فيها، وصولاً إلى اختيار الشخص المختص وتوجيه الدعوة إليه، وتفادي التضارب في المواقيت مع حدث مهمّ آخر، أو موعد إقفال صفحات الجريدة...».
أما المسألة الثانية التي أثارتها الاعلاميات المشاركات، فتتعلّق برعاية السياسيين: «ليس صحيحاً أن دعوة سياسي إلى مؤتمر صحافي قد يخدمه، قد يحصل العكس أحياناً». غير أن هذا الرأي أثار نقاشاً أوسع مع نيبوجا راديتش الذي كان انطلق في محاضرته من أهميّة إشراك شخصيات عامة في حملة مطلبية ما، لكون الأمر قد يساعد في الترويج للحملة... وسرعان ما أتته الإجابة: «لكن ليس في لبنان، وليس رجال السياسة».
دعا راديتش، من جهته، ممثلات الجمعيات الأهلية إلى «معرفة طريقة تفكير الصحافي». وهذا يفترض أن نفهم أن «دور الوسيلة الإعلامية لا يقتصر على التغطية ونقل الخبر، ولا بدّ من أن نساعدها في كتابة قصة ناجحة أو موضوع يخدم حملتنا». وأكّد أن «العلاقات مع الإعلام يعني أن تضع مالاً في المصرف، وتتصرّف به وقت الحاجة». وذكّر بمسلّمات تتحكّم بقواعد اللعبة: «وسائل الإعلام حاضرة في سوق تنافسية، تبحث كل منها عن الانفراد والأخبار المثيرة للاهتمام». ونصح الجمعيات بعدم نشر خبر أو إطلاق حملة في جميع الوسائل الإعلامية في البلد، بل اختيار وسيلة محددة أو وسيلتين، والاتفاق معهما على تغطية مميّزة، تحظى بشروط مهنية رفيعة، «وهذا يعطي نتيجة أفضل من التغطية الخبرية العادية». غير أن هذا الاختيار يجب ألا يكون اعتباطياً، بل «ينطلق من تحديد الرسالة المطلوب تمريرها، والجمهور الذي تتوجه إليه الحملة، والفئات التي تهدف الحملة إلى التأثير فيها». من هنا ـــ يشدّد نيبوجا ــــ أهمية وجود مسؤول علاقات عامة في الجمعيات، يعرف أسماء المؤسسات الإعلامية وأرقامها، خلفياتها، وخصائص جمهورها.
الإشكالية الثانية التي حظيت بالاهتمام هي حسن اختيار الرسالة الإعلامية، وتوجيهها في إطار صحيح، وذلك في جلستيْ عمل تخلّلهما تدريب على المقابلة التلفزيونية وتقنيات التعامل مع هذا الوسيط. وتم تناول شروط الظهور الإعلامي، انطلاقاً من تحديد دور المقابلة... فحين تلبّي جمعية ما دعوة منبر إعلامي لإجراء مقابلة، لا ينبغي أن تفعل لملء أجندة الوسيلة الإعلامية، بل لإيصال رسالة معيّنة تخدم حملتها وتحركاتها. وبناء عليه، «يجب التركيز على كلمات مفاتيح تتم العودة إليها أثناء المقابلة... ولا ينبغي الخوف من الصمت، فالمشاهد يعرف أن الصحافي هو الذي يتحمّل مسؤولية الصمت». وتطول قائمة النصائح والتقنيات للاشتراك في مقابلة تلفزيونيّة: من الثياب المناسبة إلى التحكّم بحركات اليدين... مروراً بهذه النصيحة الثمينة: «يستحسن عدم شرب الشاي أو القهوة قبل المقابلة، تجنّباً للعرق!».