صباح أيوب
لم يكن التوقيت الذي اختارته محطة ARTE لتفتح نقاشاً واسعاًَ حول «مشروع مارشال» وكيفية «تأمرُك» الأوروبيين صدفةً. الأفلام الوثائقية التي عرضتها القناة أول من أمس، جاءت في ذكرى مرور ستين عاماً على مشروع وزير الخارجية الأميركي جورج مارشال. وما زاد من اهتمام المحطة بالذكرى، هو توالي المواقف الروسية والأوروبية المندّدة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة في الفترة الأخيرة. لكن من «محاسن الصدف» أن يطلّ الرئيس الأميركي جورج بوش في ليلة عرض تلك الأفلام، لـ«يعلن» من براغ أنّ «الحرب الباردة انتهت»...
لم يتغيّر الواقع كثيراً إذاً بين 1947 و2007، ولم تختلف مشاهد تلك الأفلام عن الواقع الذي تنقله الشاشة اليوم: اللاعبون أنفسهم، الخطابات الأميركية عينها، والبروباغندا مستمرّة كجزء أساسي من التلاعب والإقناع والسيطرة. المتغيّر الوحيد، كما يمكن الاستخلاص من مغزى تلك الأفلام، هو كيفية انتهاء هذه الحقبة من التاريخ: «من سيكون الرابح الأكبر؟ الأكيد أنها ليست أميركا».
«نحن هنا من أجل الحرية وحقوق الإنسان، من أجلكم!»، رفعت الولايات المتحدة الأميركية هذا الشعار بُعيد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بعدما أدركت أهمية الدور الذي يجب أن تؤديه لاستقطاب الدول الأوروبية، وتطويعها ضد التمدّد الشيوعي. هكذا جاء «مشروع مارشال» ليقول للأوروبيين: «يمكنكم أن تصبحوا مثلنا، إذا اتّبعتم نظامنا الرأسمالي الليبرالي». أعادتنا الأفلام الوثائقية إلى تلك الحقبة التاريخية المضطربة، لتظهر أيضاً كيف لعبت أميركا على وتريْ «الحرية» و«الدفاع عن حقوق الإنسان»، وتنصّب نفسها المدافع الأول عن المبدأين. هكذا، توجّهت معظم خطابات جون كينيدي الى الشعوب الأوروبية، داعيةً الى مساندة أميركا في «الحرب من أجل الحرية»، فيما ركّزت الأفلام الوثائقية ـ الدعائية على إظهار الظلم والقهر الذي يتعرّض له الأوروبيون في برلين مثلاً بعد بناء الجدار.
«المشكلة هي أنّها أرادت فرض نظرياتها على الآخرين من منطلق أنها دائماً على حقّ»، يقول خبير ألماني في أحد المشاهد... استعادت ARTE الأفلام السينمائية والدعائية التي روّجت للـ «الحضارة الأميركية»، ابتداءً من نمط الملابس مروراً بالمفروشات وانتهاءً بالموسيقى والفنّ حيث دُمغ كلّ إنتاج أميركي بـ «المتحضّر». ومع رونالد ريغن، بلغت البروباغاندا ذروتها مع تكليف هذا الأخير بمهمة تجاوز الهزيمة المعنوية التي مُني بها الأميركيون وحلفاؤهم بعد حرب فيتنام: أُعلنت «حرب النجوم»، ملأت الخطابات البرّاقة عن «القوّة العظمى» وعن «تقنيات الأسلحة المتطوّرة جداً التي ابتكرتها الولايات المتحدة» الشاشات والإذاعات، وتمّ التلاعب مجدداً بالرأي العام العالمي. ثم خطب ريغن بالجماهير في برلين، قائلاً: «سيّد غورباتشوف أسقِط هذا الجدار»... فسقط الجدار ونقلت المحطات الأميركية إلى العالم، بالصوت والصورة، تلك اللحظات. وكثرت الأفلام الهوليودية التي أبرزت ضعف النظام الشيوعي. وأُلّفت الأغاني لتبجيل لحظة «انتصار الحرية على الاستبداد» ولتَعِد بـ«عالم مثالي» من صنع الولايات المتحدة.
«منذ ذلك الوقت حتى 11 أيلول اعتبرت أميركا نفسها من دون أعداء... وكانت على خطأ»، يضيف أحد الباحثين الأميركيين مقوّماً السياسة الأميركية على مرّ تلك السنوات. هكذا، أعلن بوش «الحرب على الإرهاب»، ولم تسانده الدول الأوروبية في حربه هذه المرّة، «لأنها ترى أنّ هذا المفهوم عبثي وغامض»، يوضح أحد المشاركين. ويتابع: «لم يعد لأميركا حصرية التأثير في أفكار الشعوب، هي اليوم أشبه بقلعة مبنيّة على أسس من فخّار».

تصل ARTE هذا المساء الى قرية صغيرة في جورجيا، لتلتقي امرأةً تدعى فيرا بوتينا، وتزعم أنها والدة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأنه ليس يتيماً كما تقول بعض الروايات.
23:25 على ARTE