بيار أبي صعب
كان عيسى في جامعة العلوم والتكنولوجيا في عمّان، حين سمع حديثاً بين زميلين، أحدهما يعتبر الكاتب الراحل عبد الرحمن منيف سوريّاً». هذه الغلطة لم ترق لعيسى الذي يروي الحادثة في مدوّنته، ويعلّق عليها: «منيف أردني ونفتخر بأردنيته، هل لنا أن ندّعي غير ذلك وهو من مواليد عمّان، وقضى فيها طفولته، ولها أهدى أروع رواياته «سيرة مدينة»...؟». أما يزن، وهو «بلوغر» سوري مقيم في طوكيو، حيث يدرس هندسة الكمبيوتر، فيعتبر أن منيف مواطنه أيضاً. والاثنان على حق ربما.
ولد الكاتب في الأردن (1933)، ومات ودفن في سوريا (2004). لكن لمَ لا يكون عراقياً، مثل أمّه؟ هو الذي أمضى في بغداد سنوات حاسمة من حياته. طُرد منها طالباً مناهضاً لـ«حلف بغداد» منتصف الخمسينات، وعاد إليها رئيساً لتحرير «النفط والتنمية» أواسط السبعينات. علماً أنّه خصّ البلد المحاصر برواية استثنائية هي «أرض السواد» (1999). لمَ لا يكون لبنانياً؟ ألم يولد روائياً في بيروت 1973، مع «الأشجار واغتيال مرزوق»؟ طبعاً، عبد الرحمن سعودي، رغم أنف الجميع! نجدي مثل أبيه، هو المتحدر من أبناء «العقيلات» في قبائل شمال الجزيرة التي أخذتها التجارة إلى الاستقرار في بلاد الشام. يصعب أن يأتي من يؤرّخ للجزيرة، تحولاتها المباغتة والسريعة من البداوة إلى الحداثة، كما فعل في خماسيته «مدن الملح».
في الصحافة نقرأ: «الكاتب العربي» عبد الرحمن منيف. نعم إنه العربي بامتياز... العربي التائه من بلغراد إلى باريس. لم يبقَ له من الوطن، المهدد بالتمزّق أكثر من أي وقت مضى، سوى القبر. قبره الدمشقي الذي دنّسته أيد آثمة (راجع الصفحة الأخيرة). جريمة ارتكبها لصوص، أم انتقام سياسي متأخر؟ ما همّ... إشارة رمزية أخرى إلى الزمن العربي المُستباح.