دبي ــ شيرين الفايدي
قطع رئيس حزب التجمع التقدمي الوحدوي في مصر، رفعت السعيد، مقابلته المباشرة مع «العربية» في إطار التغطية التي خصصتها المحطة السعودية لذكرى النكسة، احتجاجاً على طريقة النقاش والأسئلة المطروحة. ورأى السعيد أن ما تقوم به القناة ليس إحياءً للذكرى الأربعين لحرب الأيام الستة،بل محاولة للهجوم على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وتشويه صورته. وهو ما أكده بعض المراقبين، بعد متابعتهم لسلسلة التقارير التي بثّتها المحطة، وركّزت على تحميل عبد الناصر دون غيره، مسؤولية هزيمة 1967. وأشاروا إلى أن هذا التوجه يعكس حقداً لدى أوساط في السعودية على الزعيم المصري والمرحلة الناصرية.
حتى في التقارير التي أجراها مراسلو القناة في الضفة الغربية والأردن، لم يُشر إلى الملك الأردني الراحل الملك حسين، بل كان التركيز على أن عبد الناصر هو المسؤول عن خسارة الضفة الغربية والقدس. كما حمّل أحد الضيوف الرئيس المصري مسؤولية سقوط الجولان، بالقول إن «إعلانه الاستقالة في العاشر من حزيران أدى إلى انهيار الجبهة السورية». ليس هذا فحسب، ففي تقرير من مدينة نابلس عن كيفية تذكر شهود عيان حدث الاحتلال الإسرائيلي، ركّز مراسل «العربية» على ما قاله أحد الأشخاص بأن «حرب حزيران أظهرت عبد الناصر أضعف من هذا الطفل»، متوجهاً بالكاميرا إلى أحد الأطفال.
كما تجاهل تقرير ثان عن سيناء وقناة السويس وما حدث عام 1967 وما جرى لاحقاً حتى استعادة سيناء، حربَ عام 1973 وحدث العبور، مركزاً على أنّ مصر استعادت أراضيها فقط بعد زيارة أنور السادات القدس المحتلة عام 1977. وعوضَ الإشارة إلى حرب 1973 والعبور، اكتفى التقرير بالقول: «وفي عام 1973، تمكنت مصر من تحسين وضعها العسكري في سيناء».
بدا لكثيرين أن هذا التجاهل لحرب 1973 ولمعركة الكرامة في الأردن، وحرب الاستنزاف التي استمرت عامين ونجح الجيش المصري خلالها في استعادة قوته والتحضير للعبور، محاولةً للقول إن العرب لم يستطيعوا تحقيق أي إنجاز من خلال القتال والصمود. وأثار هذا التجاهل امتعاض العديد من المصريين العاملين في المحطة، إذ اعتبروا ذلك إساءة موجهة ضد مصر نفسها، وليس لعبد الناصر وحده.
هكذا حفلت «العربية» بتقارير ركّزت على كلمة الهزيمة التي كانت تتكرر عشرات المرات في الريبورتاج الواحد. في المقابل، تجنبت التغطية إلى حد كبير الحديث عمّا ارتكبته إسرائيل من فظائع في الحرب مثل إعدام آلاف المدنيين والعسكريين من المصريين والفلسطينيين، وتشريد مئات ألوف السوريين من هضبة الجولان. كما ابتعدت في حديثها عن دور باقي الأطراف العربية في الحرب، وخصوصاً السعودية التي وقفت على الحياد، وامتنعت عن تقديم أي دعم لدول الطوق. (وكان لافتاً أن تطلق عليها «العربية» في تقاريرها: «ما يسمّى دول الطوق»، فيما كانت تذكر اسم إسرائيل من دون أي توصيف). كما تجنّبت التغطية الحديث عن دور الدول الكبرى في دعم إسرائيل عسكرياً، وخصوصاً بالسلاح، والدور الاستخباري الكبير الذي أدته هذه الدول لدعم العدوان الإسرائيلي.
في النهاية، يمكن القول إن العنوان الرئيسي الذي أرادته إدارة المحطة للتغطية هو «سقوط عبد الناصر»، أو كما قيل على أثيرها: «سقوط صورة البطل الوهمي». ويرى أحد الإعلاميين أن تغطية «العربية» بهذه الصورة تستهدف تكريس نهج «الهزيمة» في السياسة العربية، ومحاولة سعودية للانتقام من عبد الناصر بعد حوالى أربعة عقود على رحيله. ويبقى السؤال: هل تحيي «العربية» ذكرى حرب الـ73 في تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وخصوصاً أن نهج تلك الحرب وإنجازاتها تتعارض مع المنهج الرسمي السعودي وأهدافه؟ على الأرجح سيكون الجواب لا.