ليال حداد
يتجمّع عشرات الأشخاص على شاطئ منطقة جونية. يبدو الذهول والإعجاب واضحاً على كل الوجوه. يتأملون «التحف الفنية التي ينحتها سهيل ناصيف على رمل الشاطئ. يردد بعضهم وهم يتأملونه يمضي ساعات في عمله« مش معقول باله شو طويل»، «من أين له بكل هذه الدقة؟».
يتناقل رواد الشاطئ الأسئلة في ما بينهم عن «هذا النوع من الفن الذي يحتاج إلى دقة وإلى جلد طويل جداً».
ينتهي ناصيف من نحت سيدة عارية مستلقية على الشاطئ ويبدأ عملية البحث عن فتاة تصلح لتكون حوريته، يجدها، يجلسها على الرمل ويشرع بنحت ذيل الحورية.
يتحدث ناصيف عن هوايته بشغف واضح ويقول: «منذ عشر سنوات وأنا آتي ثلاث مرات في الأسبوع إلى الشاطئ لأقوم بنحت مجسماتي، أحاول أن أستغل كل لحظة فراغ في هذا المجال».
لا يبدو على هذا الفنان الخمسيني أي نوع من أنواع التعب أو الملل أثناء عمله: «من يحب أمراً معينا، يمارسه بدون تذمر أو تعب» هذه حكمته في الحياة.
يغادر ناصيف قليلاً مكان نحته للحورية، قاصداً البحر. يملأ دلوه بالماء، يجمع الصدف ويعود إلى عمله. يتذكر كيف برزت هوايته أيام الطفولة، وكيف اكتشف أن أكثر ما يحبه في الحياة هو هذا الفن: «كنت في الثامنة من عمري حين بدأت أرسم مجسمات من حجر في قريتي في عين المير في جزين»، يصمت ويضيف بحسرة: «لكن أهلي لم يشجعوني، فأمور الفن لم تكن محببة في تلك الأيام، وخصوصاً في القرى، لذلك تعلمت وتخرجت وأنا الآن أعمل مبرمج كمبيوتر في إحدى الشركات».
يستسلم ناصيف لغواية الحديث عن الماضي، فيكمل في سرد ذكرياته عن الفن: «أنا في الأساس رسام جيد، وأحب هذا الفن كثيراً، حين كنت في الثامنة من عمري رسمت دراجة هوائية في المدرسة وأعطاني الأستاذ عشرة على عشرة عليها، ثم عاد وأخذ الرسم مني وغيّر العلامة أكثر من عشرين مرة إلى أن استقر أخيراً على علامة تسعة على عشرة، قال لي إنه لا يريد أن يطمّعني». يضحك ناصيف ضحكة فيها حنين إلى أيام الطفولة. يتوقف عن الكلام ليبحث عن رمل أسود أبيض يزين به ذيل حوريته. يجد الرمل، ينهي نحته ويوقع اسمه بالرمل إلى جانب التحفة. وتبدأ عبارات الإعجاب والثناء والتشجيع تنهال عليه من كل الموجودين.
حين يتكلم ناصيف عن منحوتاته، يتكلم بلهجة أبوية، كأن كل مجسّم ولد من أولاده. أما المفضل لديه فهو مجسم الحصان، ويقول إن «نحت الحصان يحتاج إلى دقة ووقت طويل، وحين قررت أن أقوم به كنت في كل مرة أصل إلى النهاية ويعود ويسقط ويتفتت إلى أن استطعت إنجاز العمل وتصويره، وبعد الصورة مباشرة عاد وسقط».
نحت ناصيف أكثر من خمسمئة شكل، من ضمنهم قديسون ورجال السياسة في لبنان من النواب: سعد الحريري وميشال عون، إضافة إلى السيد حسن نصر الله وسمير جعجع وغيرهم من السياسيين اللبنانيين والعرب كالرئيس العراقي السابق صدام حسين.