واشنطن ــ عمر أحمد
كيف يمكن أن تخاطب «الحرّة» المشاهد العربي، وهي لا تتسع لذرّة نقد ضدّ السياسة الأميركية؟ بعد استقالة المدير السابق للمحطة لـ «عدم تعاونه»، تسلّم الدفّة دانيال ناصيف، الرجل اللبناني «الحرّ» الذي «يتعامل بحزم مع إيران وحماس... وحزب الله»!

بدأت الحملة العنيفة التي شنّتها منذ أشهر جماعات اللوبي الإسرائيلي على لاري ريجيستر، مدير الأخبار في قناة «الحرة» تحصد ثمارها. يوم الجمعة الماضي، قدّم ريجيستر، المنتج السابق في «سي أن أن»، استقالته، بعد تعرّضه لضغوط كبيرة من هذه الجماعات، ومن كبرى الصحف الأميركية («نيويورك تايمز»، «وول ستريت جورنال»)، والكونغرس. وذلك إثر محاولته إحداث تغييرات في المحطة، ترصد جميع الاتجاهات السياسية، ولا تكتفي بأداء دور البوق الدعائي للسياسة الأميركية. وتركّز الهجوم على «التغطية الودية لتصاريح مسؤولي القاعدة وحماس وغيرهما من المجموعات الإرهابية المعادية لأميركا المهتمّة بالظهور أمام الكاميرا». وقد استندت جماعة اللوبي الإسرائيلي واليمين المتطرف إلى قرار ريجيستر بثّ خطابات للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، يهاجم فيها إسرائيل، إضافة إلى مقابلات مع قادة بارزين لحركة «حماس»، وإعداد تقارير عن مؤتمر المحرقة الدولي الذي أقيم برعاية وزارة الخارجية الإيرانية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي في طهران. وهو ما لم تعهده سابقاً القناة التي انطلقت في شباط (فبراير) عام 2004 بتمويل من الحكومة الأميركية بعد نحو عامين من بدء بث راديو «سوا» الممول أيضاً من الحكومة، بهدف تقديم «إعلام موضوعي يحسّن صورة الولايات المتحدة عند الرأي العام العربي». وانضمّ إلى الحملة بعض المحافظين الجمهوريين والليبراليين الديموقراطيين، متبنّين الموقف نفسه ضد سياسة ريجيستر التحريرية (وهو من أصل يهودي لكنه لا يتبنّى التوجهات الصهيونية). ورأى هؤلاء أنّ المحطة أصبحت ناطقة باسم الجماعات والمنظمات التي تهاجم إسرائيل والولايات المتحدة. لكنّ القضية التي تناولتها «الأخبار» في عددها الصادر في التاسع من أيار (مايو) المنصرم، لم تنته عند هذا الحد. إذ علت الأصوات المطالبة بتغيير مدير الأخبار، بعدما استخدمت المحطة مصطلح «النكبة» في تقاريرها الإخبارية الخاصة في الذكرى السنوية لقيام دولة إسرائيل في 15 أيار (مايو) 1948. ورأى هؤلاء أن المحطة التي أنشئت لخدمة المصالح الأميركية في المنطقة، تنشر «معلومات مزيّفة»، وهو ما دفع بالناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية شون ماكورماك إلى التعليق على هذه التغطية في الخامس من الشهر الجاري بالقول: «لا ننظر إليها كنكبة، مثلما يراها سكّان المنطقة العربية»...
تزامنت الحملة على «الحرّة» مع كتابة جويل ماوبري، في صحيفة «وول ستريت جورنال» عدداً من المقالات، تطرح أسئلة عن «مغزى إنفاق الملايين لدعم قناة أميركية تبثّ تقريراً معادياً لإسرائيل، ومؤيداً للمحرقة النازية». ووصل النقاش إلى جلسات اجتماع الكونغرس حيث شّن بعض النواب هجوماً عنيفاً على المحطة، معترضين على «مديري المحطة الذين لا يفهمون ما يُبثّ ويقال على شاشتهم، لأنه لا أحد منهم يتحدّث اللغة العربية». وفي جلسة أخيرة، ربط الكونغرس التمويل الإضافي لـ «الحرة» (11 مليون دولار)، إلى جانب قرار بتقسيط التمويل العادي للمحطة بدلاً من تقديمه دفعة واحدة، بخروج ريجيستر من القناة. هكذا، اضطر هذا الأخير إلى تقديم استقالته بعدما لم يمض على تعيينه سوى ثمانية أشهر، تحت ضغوط من مجلس أمناء البث الفدرالي (بي بي جي) وهي الإدارة الفدرالية المستقلّة التي تراقب عمليات البث في القناة وتمويلها. وقال ريجيستر في رسالة استقالته إنه «ضحية حملة دنيئة». ويضم المجلس ثمانية أعضاء (أربعة جمهوريين وأربعة ديموقراطيين) إلى جانب وزير الخارجية الأميركي الذي يمثله وكيل الوزارة لشؤون الدبلوماسية العامة (كارين هيوز حالياً). لكن ريجيستر لم يكن الوحيد الذي أُقصي عن القناة، إذ فُصل خلال الحملة التي احتدمت في الشهر الماضي، خمسة موظفين من غرفة الأخبار، ثلاثة منهم لبنانيون وأحدهم محسوبٌ على «القوات اللبنانية».
لكن من هو الشخص الذي سيحلّ أزمة «الحرّة» ويثلج صدور مهاجميها؟ أعلن يوكين بلايا، عضو مجلس أمناء البثّ الأميركي والمدير التنفيذي للقناة، أن دانيال ناصيف سيخلف ريجيستر في منصبه. وتقول مصادر مطلعة داخل «الحرة» إن ناصيف، وهو من أصل لبناني، سيتولى إدارة الأخبار في مرحلة انتقالية قبل أن يُعيّن شخص آخر. إلا أن المرحلة الانتقالية قد تطول، خصوصاً أنّه (أي ناصيف) يتولى حالياً إدارة الأخبار في راديو «سوا». فمن هو دانيال ناصيف؟ يصف فيليب جيرالدي، الضابط السابق في وكالة المخابرات المركزية الأميركية «سي آي إيه» ناصيف، بـ «تلميذ المؤرخ البريطاني برنارد لويس... والمرتبط باللجنة الأميركية من أجل لبنان حرّ». هذه اللجنة، كما يقول جيرالدي في تقرير نشرته مجلة «المحافظ الأميركي» (أميركان كونسيرفيتيف)، أدّت دوراً أساسياً في صدور قانون محاسبة سوريا، وترتبط بشكل وثيق مع تكتّل «الليكود» الإسرائيلي المتطرّف. وفي عام 1999، عمل ناصيف عضواً في المجلس الاستشاري لـ «النشرة الاستخبارية للشرق الأوسط»، وهي النشرة الشهرية التي تصدرها اللجنة الأميركية من أجل لبنان حرّ.
وتراهن الجماعات التي دفعت بريجيستر إلى الاستقالة، على جهود ناصيف الذي يتحدّث العربية في «محاربة الإرهابيين والإسلاميين المتطرفين، وهذا ما تدلّ عليه كتاباته السابقة، علّ ذلك يسهم في إنقاذ المحطة»، حسب مقال لجويل ماوبري، صدر أول من أمس في صحيفة «وول ستريت جورنال»!