خالد صاغيّة
ذات يوم، طرق السفير الأميركي باب السرايا الحكومية، وحمل معه مجموعة من الملفّات. كانت السرايا آنذاك لا تزال سرايا، والحكومة لا تزال حكومة. عقد سعادة السفير اجتماعاً مطوّلاً مع رئيس الحكومة والوزراء. أمّا الملفّات التي بُحثت، فلم تكن سياسيةً كما أُشيع، أو بالأحرى، لم تكن سياسية بالقدر الذي فهمه الحاضرون.
رمى فيلتمان أمام مضيفيه مجموعة من المفردات: «الإرهاب الشيعي»، «الإرهاب السنّي»، «إرهاب الدولة متمثّلاً بالنظام السوري»... أنصت الجميع باهتمام. وافق بعضهم، واستنكر بعضهم الآخر. لكن لم ينتبه أحد أنّ أيّاماً قليلةً تفصل بين إعلان العجز عن القيام بالمهمّات السياسية، وإعلان التفرّغ لجبهات القتال.
استساغ كثيرون مفهوم الإرهاب، كما يطرحه الأميركيون، وأبدوا ولعاً عظيماً في مكافحته. وأعلنت الحكومة اللبنانية، بمن بقي منها، أهليّتها لخوض هذه المعارك كافّة، ودفعة واحدة. وخُيِّل لها أنّها ليست وحدها في الميدان. فـ«الاعتدال العربيّ» قلبه كبير، ويتّسع حتّى لأفغانٍ من دعاة تحرير المرأة. هكذا، مضى البلد الصغير في حمل تكاليف «أجندة مثقلة» تقف أمامها بلاد كالولايات المتّحدة الأميركية حائرة أحياناً، وعاجزة أحياناً أخرى. النيّة كانت صافية، تماماً كنيّة الرئيس الأميركي الذي أراد للحرية أن تسود العالم. الفارق أنّ الحكومة اللبنانية لم تجد بعد إلهاً يحدّثها فيما هي نائمة.
ذات يوم، طرق السفير الأميركي باب السرايا الحكومية. ومنذ ذلك الحين، ودماؤنا عارية... في الهواء الطلق.