بيار أبي صعب
لو أن جوزف هنا، لما تأخرت بالكتابة كلّ هذا الوقت. منذ صدور الحكم في دمشق، بسجنك ثلاث سنوات (وبحق معتقلي رأي آخرين)، وأنا أستجمع أحاديث متفرّقة سمعتها عنك من صديقك الراحل. كلمات مغمسة بعاطفة جامحة وقهر أصمّ. أستعيدها، وأتصوّر ماذا كان ليكتب في هذا الظرف الصعب، والمقلق إلى أبعد حدود؟ هناك مقال كان يراوده، كتب شيئاً منه في إحدى افتتاحياته، مستأنفاً معك ذاك النقاش المعقّد، حول «الأولويات»، بين رفيقين في «موقع واحد ومتعدد في آن» («الأخبار»، ٣١/ 10/2006).
في لبنان، كثير من منتقدي النظام الذي وضعك في السجن بسبب آرائك ومواقفك السياسية، ليسوا غرباء عن تلك البنية المتسلّطة، بل يلعبون في عدائهم على العنصريّة... وفي أفضل حالاتهم لا يحملون للبنان مشروعاً يخرجه من جحيم التفتت والتفاوت الطبقي والمذهبيّة والإقطاعيّة والمحسوبيّة والفساد. أضف إلى ما سبق التبعيّة العمياء للكاوبوي الآتي من الغرب البعيد... ليعلّمنا الديموقراطيّة. أما الجزء الباقي منهم ـــ على اختلاف خياراته السياسية ـــ فيفكر فيكم كل يوم، أنتم الساعين إلى مجتمع أفضل. يعرف أنّ حريّتكم من حريتنا، وفي الوقت نفسه: استقرار بلدكم من استقرار بلدنا. «إعلان بيروت ـــ دمشق/ دمشق ــــ بيروت» الذي قادك وبعض رفاقك إلى سجن دمشق المركزي، لم يقل في النهاية أكثر من ذلك.
تحيّة لك إذاً، يا ميشال كيلو، من معارضي الزمن العربي الرديء، زمن التسلّط والسلفيّة والمذهبيّة، ومناهضي كل الأنظمة التيوقراطيّة والفاسدة والمستبدّة في العالم العربي (هل تحصي معي؟). تحية من الذين يعرفون أن الحريّة تبدأ من قهر «البرابرة الجدد». قهرهم كما حدث في لبنان الصيف الماضي: بالفعل... لا بـ «العنتريّات التي ما قتلت ذبابة».